تعديلات مقترحة علي الدستور .. ومجلس حماية الدولة وأهداف الثورة أظن العام الجديد -أو هكذا أتمني- هو الأكثر هدوءاً في هذه العشرية الصاخبة، التي استهللناها بفورة غضب، تلاها سقوط من حالق، ثم ثورة إنقاذ، تبعها انتشال من مصير محتوم، فانتقال إلي مسار محسوب، فانطلاق علي درب منشود. وبرغم أننا ندلف إلي نهاية العشرية، لم تتوقف بعد توابع زلزال الغضب، ولا انتهت تبعات بركان الإنقاذ. ومن ثم.. لم نفارق مرحلة انتقال طالت أكثر مما كنا نحسب أو نتوقع! أظن أيضا -أو هكذا أرجو- العام الجديد هو مفترق طرق سياسياً، لابد أن نقف أمامه ونتدبر، حتي نختار الطريق الأصوب، مثلما اجتزنا من قبل مفترق طرق اقتصادياً، بعدما اخترنا المسار الأصح برغم أشواكه وآلامه. • هذا العام ينبغي أن يكون بداية إصلاح سياسي تأخر. كان بالإمكان البدء مبكراً، لولا أحوال أمن داخلية كانت لها الأولوية، وتهديدات خارجية استحوذت علي بؤرة الاهتمام، ولولا قيود دستور أعددناه علي عجل دون قراءة لواقع مغاير، ومواد دستورية حاكمة صيغت بصبغة الدستور السابق الذي وضعه الإخوان علي مقاسهم. أقصد بالإصلاح السياسي، السياج الذي يصون كل ما تحقق للشعب من مكتسبات استقرار أمني وانطلاق اقتصادي خلال خمس سنوات مضت، فلا تزعزعها هزات ولا تقوضها أنواء أيام الضباب. وأقصد به مظلة حماية نأمن بها علي مستقبل الحكم، دون وجل ولا قلق مما قد يحدث بعد ثلاث سنوات، ولا نستطيع التنبؤ به. الإصلاح السياسي الذي أعنيه، هو عملية تغيير، تعزز الحياة الحزبية، وتدعم القوي السياسية، وتؤسس لتداول السلطة في ظل نظام 30 يونيو، وتكفل حرية الرأي والتعبير للكتلة الوطنية. لست أظن أحداً من النخبة الفكرية والسياسية لا يستشعر الحاجة إلي إجراء تعديل في عدد معتبر من مواد الدستور. فبعضها يعرقل التوازن المنشود بين السلطات في ظل نظام حكم اعتاده الشعب وتعود عليه رئاسياً. وبعضها لا يراعي متطلبات مرحلة انتقال تعيشها البلاد، ولا يجوز أثناء اجتيازها، التماهي مع أحوال دول اجتازت تقلبات الثورات منذ قرون. ولست أظن أحداً سواء من عموم الناس أو من الصفوة المثقفة أو من النخبة السياسية، لا يساوره القلق علي مستقبل الحكم فيما بعد 2022، أي في أعقاب انتهاء مدة الرئاسة الثانية الحالية للرئيس عبدالفتاح السيسي. في رأيي المتواضع أن نقطة الانطلاق في عملية الإصلاح السياسي، هي عدم تمديد حالة الطوارئ عند انتهاء ميعادها، في ظل استتباب الأوضاع الأمنية في البلاد وبلوغ العملية سيناء أهدافها المباشرة. في ذات الوقت، ينبغي أن تباشر كتلة الأغلبية النيابية في البرلمان دورها، فتشكل مجموعة عمل متخصصة من النواب، تجري دراسة لفلسفة التعديل الدستوري الواجب إجراؤه في هذه الدورة البرلمانية، وتحدد المواد اللازم تعديلها أو إلغاؤها، وتضع المواد المراد إضافتها. وإذا جاز لي أن أدلي برأيي في موضوع التعديلات، فإنني أتصور وجود نسبة تقارب 15٪ من مواد دستور 2014 البالغ عددها 247 مادة، تحتاج اما إلي حذف أو تعديل أو إضافة. علي سبيل المثال.. المواد 18، 19، 21، 23 المتعلقة بتخصيص نسب من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق علي الصحة والتعليم والتعليم الجامعي والبحث العلمي، وربما كان المقصود أن تكون النسب من الموازنة العامة، لأن تحديدها من إجمالي الناتج المحلي، أمر غير واقعي ولا يمكن تطبيقه، ومن ثم يتحول الدستور إلي حبر علي ورق، وهو ما لا يرضاه أحد. هناك أيضا المادتان 146، 147 اللتان تضعان قيوداً وعراقيل عند إجراء تغيير أو تعديل وزاري. أما ما يتعين إعادة النظر في مجمله، فهو الفصل العاشر المتعلق بمواد الإعلام والصحافة. فالتجربة أثبتت أن عدم وجود قيادة أو مظلة إشرافية موحدة للصحافة والإعلام الرسمي والخاص والحزبي، هو أحد أسباب ضعف دور الإعلام، بل أدي إلي إلقاء اللوم عليه في أمور يتحملها وفي أشياء هو بريء منها تماماً. علي أن هناك مادة مريبة هي المادة 241 الخاصة بما يسمي »العدالة الانتقالية» وهو تعبير منقول من الخارج، بمقاصد لا يمكن الجزم بصفائها، تفتح الباب موارباً لإجراء مصالحات »عفا الله عما سلف» و»تبادل الديات» مع جماعة الإخوان، وهي ثغرة دستورية في جدار ثورة 30 يونيو ينبغي سدها بالحذف تماماً من الدستور. وفيما يتعلق بالفصل الأول الخاص بالسلطة التشريعية في الباب الخامس من الدستور، لابد من النظر في مسألة عودة الغرفة الثانية في البرلمان التي ألغاها دستور 2014. وعن نفسي فإنني أميل إلي فكرة إنشاء »مجلس شيوخ» بجانب مجلس النواب، لأسباب عديدة منها اكتمال دائرة الرقابة والمحاسبة علي السلطة التنفيذية، وضمان مزيد من التدقيق في سن التشريعات لاسيما المكملة للدستور. صلب التعديل الدستوري -بكل وضوح- يتعلق بمواد أخري، تؤمن غالبية الرأي العام بضرورة تعديلها حرصاً علي مصلحة وطنية لامراء فيها. بينما تحوم حولها شريحة من المثقفين والسياسيين، وتحجم عن الولوج المباشر إليها أو التحدث الصريح عنها، خشية التعرض لقصف باتهامات سابقة التجهيز من جانب تيارات هي في معظمها تنتمي لجماعة الإخوان أو لا تتورع عن التحالف معها! علي رأس تلك المواد.. المادة 140 من الدستور، ومن قبلها المادة 226 في فقرتها الأخيرة التي تمنع إجراء تعديل علي النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، وهو أمر يغل يد الشعب عن إجراء تعديل علي دستور وضع هو مواده ونصوصه، وكأن الدستور كتاب سماوي منزل غير قابل للتعديل. ولا أشك أن القلق الذي تشعر به الغالبية الكاسحة إزاء مستقبل الحكم بعد انتهاء السنوات الثلاث المتبقية علي رئاسة السيسي في ظل النصوص القائمة بالدستور، يوازيه تحفز لدي جماعة الإخوان وترقب لدي جماعة ما قبل 25 يناير لوصل ما قد انقطع من أسباب السلطة والانقضاض علي الحكم معبئين بكل شحنات الانتقام والغل السياسي! وفي ظني أن المادة 140 من الدستور، حينما حددت مدة الرئاسة بأربع سنوات فقط، ونصت علي عدم جواز تمديدها إلا لمرة واحدة، كان في خلفية أذهان المشرعين من أعضاء لجنة كتابة الدستور ثلاثة أمور: - أولها : أن دستور الإخوان الذي صدر عام 2012، نص علي تحديد مدة الرئاسة بأربع سنوات فقط، وبالتالي ليس من الملائم أن يأتي دستور ثورة 30 يونيو ليزيد أعوام المدة الرئاسية علي 4 سنوات. - ثانيها : أن تجربة حكم الرئيس الأسبق مرسي التي فشلت من شهورها الأولي لم تكن تشجع أي مشرع دستوري علي زيادة مدة الرئاسة علي 4 سنوات. - ثالثها : أن إطلاق مدد الرئاسة في تعديلات عام 1980 التي أجراها الرئيس الراحل أنور السادات علي دستور 1971، كانت سبباً في بقاء الرئيس الأسبق حسني مبارك علي مقعد الرئاسة لمدة ثلاثين عاماً حفلت بجمود الرؤي وتكلس الأفكار. لكن مع تقديري لسلامة نوايا لجنة كتابة الدستور، فإن النص علي تحديد مدة الرئاسة بأربع سنوات فقط، لم يراع أننا مازلنا في مرحلة انتقال لها ضروراتها واعتباراتها، ولم نبارحها بعد إلي مرحلة استقرار سياسي، كذلك لم يتوقع المشرعون الدستوريون أن يتولي الرئاسة شخص كان عازفاً عنها، واضطر لقبولها تحت ضغط شعبي، هو الرئيس عبدالفتاح السيسي، ولم تكن في مخيلتهم أن يحمل هذا البطل الشعبي علي كتفيه مسئولية نهضة مصر ويقطع خطوات واسعة علي طريق لا تبدو نهايته في عام 2022. وإنني أدعو مجموعة العمل التي ينبغي أن تشكلها كتلة الأغلبية النيابية للنظر في مسألة التعديلات الدستورية، إلي تدارس تجارب الولاياتالمتحدة في فترة ما بين الكساد الكبير ونهاية الحرب العالمية الثانية، وروسيا في فترة ما بعد تفكك الاتحاد السوفييتي ثم إعادة بعث الإمبراطورية، والصين في فترة دينج، ثم عصر بنج الحالي. وإذا كنت قد أتفهم مسألة عدم فتح مدد الولاية الرئاسية عن مدتين، فإنني مع زيادة سنوات المدة الواحدة إلي 6 سنوات، كنص انتقالي لا يسري علي الرؤساء القادمين، فلا نضمن أن يأتي منهم واحد يحمل رأساً مشابهاً لرأس الرئيس الأسبق مرسي منزوع الرؤي والخيال والأفكار! ربما يقول قائل إن النص الانتقالي بزيادة سنوات مدة الرئاسة إلي 6 سنوات هو تفصيل دستوري علي حالة قائمة.. لكن من قال إن الدساتير توضع في فراغ من زمن وتصاغ في معزل عن أوضاع؟! وإذا سارت الأمور في اتجاه الاكتفاء بزيادة سنوات المدة الرئاسية -كنص انتقالي- إلي 6 سنوات، وعدم توسعة مدد الولاية عن مدتين، أو حتي إذا رُئي -وهو ما أستبعده- الابقاء علي النص الحالي، فإنني أري أن المصلحة العليا للبلاد التي أحسبها مهددة اعتباراً من شتاء 2021/ 2022، تقتضي إضافة مادة إلي الدستور تنص علي إنشاء مجلس انتقالي مدته خمس سنوات تبدأ مع انتهاء فترة رئاسة السيسي، هو مجلس حماية الدولة وأهداف الثورة. علي أن يترأس المجلس عبدالفتاح السيسي بوصفه مؤسس نظام 30 يونيو ومطلق بيان الثالث من يوليو، ويضم المجلس في عضويته الرئيسين السابق والتالي علي السيسي، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الشيوخ (إذا أنشئ المجلس)، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس المحكمة الدستورية العليا، والقائد العام للقوات المسلحة، ورئيس المخابرات العامة، ورؤساء المجالس المعنية بالمرأة والإعلام وحقوق الإنسان. ويتولي المجلس كمهمة رئيسية له اتخاذ التدابير الضرورية عند تعرض الدولة لمخاطر تستهدف تقويضها أو الخروج علي مبادئ ثورة 30 يونيو. وفي كل الأحوال.. ليست بدعة تنفرد بها مصر إذا استحدثت مادة جديدة، أو أضيفت فقرة إلي المادة 200 الخاصة بمهام القوات المسلحة، تنص علي أنها هي الحارس علي مبادئ ثورة الثلاثين من يونيو وأهداف بيان الثالث من يوليو. .. هذا العام، إذا نظرنا إلي مسألة الإصلاح السياسي بالجدية الواجبة، سيكون الباب الذي ندلف منه إلي عملية تتكامل فيها التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع البناء السياسي في إطار المشروع الوطني لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة.