أسعدني كالعادة ما تقدمه الشئون المعنوية بقواتنا المسلحة الباسلة في ندواتها التثقيفية من نماذج وطنية مشرفة. وكان من أهم ما قدمته في ندوتها الأخيرة التي عقدت يوم السبت 28 / 4 / 2018م بمناسبة الاحتفال بذكري تحرير سيناء أن قدمت أنموذجين وطنيين رائعين هما السيد /حسن خلف، والسيدة / سلوي الهرش، فهما أنموذجان للفهم، والوعي، والوطنية، ولن أضيف كثيرًا حين أتحدث عن وطنية أي منهما، فهي أشهر من أن نتحدث عنها، ولا تحتاج إلي مزيد من إلقاء الضوء عليها إلا بقدر ما نتعلم منها أو منهما من دروس، لكن الذي لفت نظري إلي جانب ذلك كله بصفتي أستاذًا للأدب والنقد، وتدريسي لنحو ثلاثة عقود لفنون القول بصفة عامة، والخطابة بصفة خاصة، فإنني أُحَييِّ فيهما هذا البيان الصادر منهما لهذا الثبات الانفعالي الناتج عن صدق القول وثبات الموقف، كما أبهرتني تلك البلاغة الفطرية في السرد وحكمة القول التي تمتع بها السيد/ حسن خلف، والتي تجلت في كثير من كلماته مثل قوله : »لن يكون اجتماع الإرهابيين علي باطلهم أقوي من اجتماعنا علي حقنا»، وقوله : »لا يخشي بخل الغني الكريم إذا افتقر، فالكرم متأصل فيه، ولكن يُخشي بخل الفقير البخيل إذا اغتني، فالنعمة دخيلة عليه»، فتحيةٌ واجبةٌ للشيخ / حسن خلف، وللسيدة / سلوي الهرش وجَدِّها المصري الأصيل الشيخ / سالم الهرش، وتحية لأهالي سيناء، رجالًا ونساءً شيوخًا وشبابًا وأطفالاً، وتحية لكل وطني شريف غيور علي وطنه. وتحية لقواتنا المسلحة الباسلة، ورجال الشرطة البواسل، الذين يحرسون سيناء بعيونهم وقلوبهم، ويفتدونها بدمائهم وأنفسهم، وقد رأيت بأم عيني مدي الشجاعة والبسالة والجرأة والإقدام الذي يتمتع به هؤلاء الأبطال العظام، حتي أنني من خلال زيارتي البرية لمدينة العريش ذهابًا وإيابًا، وأداء خطبة الجمعة بها، ذكرت أنني دَرَسْتُ ودرَّست معاني الشجاعة والاحترام لنحو ثلاثين عامًا غير أنني لم أقف علي المعني العملي التام لمفهوم الشجاعة والبسالة والشهامة إلا من خلال هذه الزيارة، حيث رأيت أبطالًا يحبون الشهادة حب غيرهم للحياة، لا يعرف الخوف طريقًا إلي قلوبهم، ولا يهتز لهم جفن في مواجهة قوي الإرهاب والشر التي تندحر أمام عزيمتهم وصلابتهم وقوة بأسهم، وكانت الزيارة رسالة للقاصي والداني بمدي سيطرة الدولة المصرية علي كل شبر من أرضها، ومدي اندحار وهشاشة بقايا وفلول العناصر التكفيرية الإجرامية الإرهابية، والتي نؤكد أنها بفضل الله (عز وجل) إلي زوال واندثار، وكما كانت سيناء مقبرة للغزاة والطامعين، فهي أيضًا ستكون مقبرة للإرهابيين والتكفيريين وقوي الشر والظلام، أما من يدعمونهم فسينفقون أموالهم، ثم تكون هذه الأموال حسرة عليهم، وقريبًا تدور دائرة الإرهاب علي من صنعه ومن يدعمه أو يموله. علي أن ما نقدم لأجل مصر بصفة عامة وسيناء بصفة خاصة ليس عزيزًا عليها، فهي في القلب منا دينا ووطنا، فقد تحدث القرآن الكريم عن سيناء حديثًا يدعو للتأمل، حديثًا يؤكد علي أهميتها ومكانتها الدينية والتاريخية، حديثًا يجعلنا نفكر مرات ومرات في ضرورة الاهتمام بها، وتنميتها، واستثمار مواردها الطبيعية، ومعالمها السياحية: الدينية، والطبيعية، والعلاجية. ولقد أقسم الحق (سبحانه وتعالي) في كتابه العزيز بطور سيناء في قوله تعالي: »وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ»، مقدما القسم بالطور علي ما سواه من الأمور الأخري المقسم بها مع ما لها من مكانة أو قدسية، بل إنه خصه بتسمية السورة باسمه »سورة الطور». ويقسم به الحق سبحانه صراحة محددًا ومخصصًا في كتابه العزيز في سورة »التين»، حيث يقول عز وجل : »وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ»، مقدمًا القسم بطور سنين علي القسم بالبلد الأمين مع ما لهذا البلد الأمين من قداسة ومكانة. كما أشار القرآن الكريم إلي بعض ما بسيناء من الخيرات والبركات، حيث يقول سبحانه : »وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ»، وعن هذه الشجرة كان نبينا (صلي الله عليه وسلم) يقول: »كلوا الزَّيْتَ، وَادَّهِنُوا بِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ». وبها البقعة المباركة التي عبر عنها القرآن الكريم في قوله تعالي في ثنايا الحديث عن سيدنا موسي (عليه السلام): »فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَي إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ»، وبها الوادي المقدس طوي الذي عبر عنه الحق سبحانه في كتابه العزيز في خطابه لموسي (عليه السلام) : »فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَي ، إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًي».