في عام 1928، أي منذ تسعين عاماً بالتمام والكمال، بدأت دعوة الإخوان المسلمين علي يد مؤسسها حسن البنا في الإسماعيلية، والسؤال هو : لماذا قامت دعوة الإخوان المسلمين في هذا التوقيت بالذات ؟ المعروف أنه في عام 1924 قام القائد التركي مصطفي كمال أتاتورك بإلغاء الخلافة العثمانية، ولعل الأجيال الحالية لا تعرف أن مصر ظلت ولاية تابعة لهذه الخلافة حوالي أربعمائة عام. المهم أن إلغاء الخلافة كان حدثاً صادماً للكثيرين ممن تعودوا وجودها ولم يتخيلوا أنها يمكن أن تزول ذات يوم، ذلك أنه منذ توفي النبي صلي الله عليه وسلم لم تنقطع الخلافة إلا ثلاث سنوات فقط بعد سقوط بغداد علي يد التتار، ثم عادت الخلافة مرة أخري علي يد الظاهر بيبرس واستقرت في مصر المملوكية، ثم انتقلت إلي تركيا منذ 1517 بعد إلغاء الخلافة ظهرت في العالم الإسلامي دعوات لإعادتها، وانتهز الملك فؤاد، ملك مصر آنئذ، الفرصة وروج لنفسه علي أنه الخليفة القادم. وتكونت جمعيات لهذا الغرض، وانعقد مؤتمر في مصر بشأن إعادة الخلافة، وسارت الأمور في طريقها لولا أن رجلاً أزهرياً اسمه علي عبد الرازق، ألف كتاباً صغيراً بعنوان الإسلام وأصول الحكم سنة 1926 قال فيه إن الخلافة ليست واجبة، كما قال إن النبي كان نبياً ولم يكن حاكماً. وقامت الدنيا ضده، وطرد من عمله، وحكموا عليه بعدم الأهلية، لكن رغم هذه الضجة العنيفة فقد انتهت فكرة خلافة الملك فؤاد. وظهرت في هذا الوقت عدة كتب حول الخلافة، من أهمها كتاب عبد الرزاق السنهوري فقه الخلافة، الذي اقترح فيه تطوير الخلافة لتكون عصبة للأمم الإسلامية، وكتاب الشيخ رشيد رضا الذي قال بجواز وجود أكثر من خلافة في وقت واحد، رغم أن الفكر التقليدي كان يري عدم جواز وجود خلافتين في الوقت ذاته. المهم أنه ضمن ردود الفعل علي غياب الخلافة والدعوة لعودتها نشأت جماعة الإخوان عام 1928 وكان علي رأس أهدافها عودة الخلافة. أي أن فكرة الخلافة كانت هي نقطة الانطلاق في نشأة الإسلام السياسي، وأن الجماعات الإسلامية الحالية تهدف إلي إنشاء خلافة إسلامية، أي دولة، أي حكم، وهي بذلك فكرة سياسية تماماً. أما الادعاء بأنها جماعات دعوة فهو قول خادع لتضليل الناس عن الهدف الحقيقي لها.