وهنا نتساءل: هل قاموا بإنقاذ الملوك بدافع الولاء؟ أم أنهم كانوا يودون سرقة المجوهرات والكنوز الموجودة بالمقابر حتي يمكن أن تستغل لإدارة البلاد والتي أصبحت مواردها قليلة؟ ورغم ذلك يجب أن نقدم لهم الشكر إذا اعتبرنا أن بردية »هاريس» أو بردية »لصوص مقابر وادي الملوك»، التي تؤكد فساد عمدة غرب الأقصر، واتهامه بسرقة مقابر الوادي، فإن هناك عمدة آخر كان أميناً وقد عرف باسم »باسر».. وتشير القصة التي وردت في البردية إلي اللصوص الذين سرقوا المقابر والمعركة التي دارت بين قوي الشر ممثلة في فساد اللص »باو رع» عمدة غرب الأقصر، والرجل الأمين باسر الذي حاول محاربة هذا الفساد.. وحسب البردية فإن باسر كتب تقريراً أو شكوي يثبت فيها تورط عمدة الغرب في سرقة المقابر وسلم الشكوي للوزير، وللأسف يبدو أن الوزير كان يحصل علي حصته من السرقة؛ لذلك فقد شكل لجنة علي هواه - كما نقول - من الموالين لعمدة الغرب وبدأ التحقيق في فحص شكوي باسر، وبالتالي لم يكن غريباً أن تقرير اللجنة جاء في صف عمدة الغرب، وقالوا إنهم قاموا بفحص تسع مقابر ووجدت كلها سليمة لم تمس، بل وكتبت اللجنة أن باسر - عمدة الشرق- كاذب في بلاغه؛ ولذلك كان باو رع سعيداً جداً بهذا التقرير واستطاع أن يقود مظاهرة وذهبوا إلي شرق الأقصر وهم في منتهي الفرح، بل هاجموا عمدة الشرق واتهموه بالكذب وأعلنوا أمانة عمدة الغرب.. وعلي الرغم من ذلك لم يسكت باسر! بل ذهب إلي سلطة أعلي وطلب أن تشكل لجنة من أشخاص بعيدين عن سيطرة عمدة الغرب، وأشار إلي ضرورة فتح ملف سرقات المقابر مرة أخري وأن تجرد كل المقابر.. وبالفعل تمت الاستجابة إلي طلبه؛ وكانت المفاجأة أن اللجنة الحقيقية هذه المرة وجدت العديد من المقابر قد تمت سرقتها، بل وسجلت القطع الأثرية التي سرقها اللصوص! وهنا أود أن أسجل الحكم القضائي من البردية: »الوزير.. كبير الخدم.. رسول الفرعون.. حاكم البر الشرقي لطيبة »باسر».. والقضاة العظام »مكنت» قد قدموا إلي كبير كهنة آمون ثلاثة رجال مذنبين بسرقة مقبرة الملك »سبك إم إف» ورجلاً آخر سرق مقابر الأشراف.. وقد أعطوا تعليمات لكبير الكهنة بالقبض علي اللصوص الهاربين وحبسهم بمبعد آمون حتي يقرر الفرعون حبسهم.. ولذلك يسيطر الخوف علي كل من يتولي منصب عمدة الغرب نظراً لخشيتهم من مواجهة المصير الذي لقاه العمدة باو رع».. ومع نهاية الأسرة 20، أي نهاية الدولة الحديثة، ترك حراس لحماية الوادي تماماً، ولذلك تركوا المجال أمام اللصوص لاقتحام وسرقة المقابر كلها.. وجاء كهنة الأسرة 21 - 22، واستطاعوا أن يحافظوا علي مومياوات الملوك الموجودة داخل المقابر بالوادي وأعادوا لف المومياوات باللفائف الكتانية ووضعوا بطاقات تحمل أسماء أصحابها؛ ويبدو أنهم سرقوا ما هو موجود من كنوز بجوار المومياوات. وهنا نتساءل: هل قاموا بإنقاذ الملوك بدافع الولاء؟ أم أنهم كانوا يودون سرقة المجوهرات والكنوز الموجودة بالمقابر حتي يمكن أن تستغل لإدارة البلاد والتي أصبحت مواردها قليلة؟ ورغم ذلك يجب أن نقدم لهم الشكر لأنهم السبب المباشر في إنقاذ المومياوات والتي عثر عليها داخل خبيئة الدير البحري عام 1881م، وكذلك داخل مقبرة الملك »أمنحتب الثاني» عام 1902م.. لم تكن حوادث السرقة قديماً فقط بل هناك عصابات دولية مازالت تسرق آثارنا، بل وتقوم المتاحف الكبري بشراء هذه الآثار مما يشجعهم علي الاستمرار في سرقة المقابر.. وقد قدنا معركة عودة الآثار المسروقة واستطعنا أن نعيد أكثر من ستة آلاف قطعة أثرية مسروقة، وتمت معاقبة العديد من اللصوص الذين تورطوا في هذه السرقات..