تواصلا مع مشكلة الايجارات في العقارات القديمة التي تتسم بعدم العدالة وعدم المعقولية لابد أن تعلم وتدرك الاجيال الجديدة أن مصر لم تكن تعاني قبل السبعينيات من القرن الماضي أي أزمات أو مشكلات فيما يتعلق بالاسكان. المشكلة بدأت مع صدور قانون تحديد إيجارات الوحدات السكنية. قبل ذلك الوقت كان طبيعيا مشاهدة لافتات شقة للإيجار علي الكثير من العمارات وفي كل الاحياء لإغراء طالبي السكن لايجار الوحدة السكنية الخالية. كان أصحاب البيوت يقومون بدهانها وإصلاح أي خلل بها علي حسابهم. هذا الامر وبعد صدور هذا القانون اختفي تماما وامتنع أصحاب العقارات عن تأجير أي وحدة سكنية تخلو في عقاراتهم. فضلوا تركها خالية أو تأجيرها مفروشة لزيادة العائد من ورائها. كان من نتيجة ذلك إحجام القادرين علي بناء عقارات جديدة وهو ما أدي إلي بداية أزمة الاسكان. حدث ذلك نتيجة أن المعروض أصبح أقل من المطلوب الذي تنامي مع الزيادة المطردة في عدد السكان. لمواجهة هذا الوضع برزت إلي الوجود ظاهرة تمليك الوحدات السكنية بدل تأجيرها. يضاف إلي ذلك ظهور طلب ما يسمي بخلو الرجل في حالة عرض أي شقة خالية خاضعة للإيجار القديم حيث كان يتم المغالاة فيه وفقا لحجم وموقع الشقة. في محاولة للتصدي.. لظاهرة خلو الرجل التي انتشرت من جانب أصحاب العقارات القديمة فيما يتعلق بالشقق التي تخلو في أملاكهم لأي سبب من الأسباب.. لجأت دولة ثورة 1952 إلي اجراءات استثنائية شديدة تتعارض مع اقتصاديات السوق وحقوق الملكية. قاد هذه العملية في القاهرة محافظها الفريق سعد مأمون. في ظل هذا النظام كان من حق أي مواطن يكتشف وجود شقة خالية في أي عمارة أن يتقدم للحصول عليها وإجبار صاحب العقار علي كتابة عقد له. صاحب العقار الذي يرفض توقيع العقد كان يعرض نفسه للاعتقال والمحاكمة. خضوعا لهذه الاجراءات العنيفة تم إلزام أصحاب العقارات الذين تقاضوا خلو رجل من أي ساكن علي إعادتها وإلا تعرضوا لنفس هذا المصير. مع مرور الزمن وتصاعد الأزمة الاقتصادية في مصر وما حدث من تطورات تفاقمت أزمة الاسكان مما دفع الدولة إلي تجميد العمل بقانون الايجارات بالنسبة للمباني الجديدة .. صاحب ذلك إصدار قانون جديد أطلق حرية المالك في تأجير الوحدة التي يملكها علي أساس هذا النظام حيث يتم تحديد الايجار بالتوافق مع المستأجر. تضمن هذا القانون حق المالك في اخلاء الوحدة بعد المدة المتفق عليها في العقد. استهدف هذا القانون الحد من أزمة الاسكان التي تحولت إلي محنة اجتماعية. كان لهذا التطور تأثيراته علي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بشكل عام. أدي هذا الوضع إلي تحول امتلاك أي عقار أو وحدة سكنية أو محل تجاري في عقار قديم أو حديث أو أرض بناء إلي وعاء إدخاري أو استثماري علي ضو ما يشهده السوق من ارتفاع مستمر في أسعار العقارات. العديد من أصحاب المدخرات اتجهوا إلي هذا الاستثمار العقاري بعد أن اكتشفوا ان نسبة العائد أكبر من أي وعاء إدخاري آخر. تمثل هذا الاتجاه في تنامي ظاهرة شراء الوحدات خاصة في التجمعات السكنية ليس بغرض السكن ولكن بهدف الاستثمار والتربح. هذا الواقع توضحه عشرات الوحدات الحالية بدون تشطيب في الكثير من هذه التجمعات. السؤال الذي يطرح نفسه حاليا هو إلي متي يستمر هذا الوضع حيث يحذر بعض الخبراء من امكانية حدوث أزمة اقتصادية. هناك توقع بأن يحدث ذلك نتيجة ارتفاع أسعار الوحدات السكنية وعدم القدرة علي شرائها. خطورة وتفاقم هذه الازمة يمكن حدوثها في ظل الاقبال غير المنضبط علي البناء العقاري . في هذه الحالة من المتوقع ان يكون هناك كساد في التسويق العقاري يترتب عليه أزمات وخسائر اقتصادية هائلة. هذه الحالة يمكن ان تواجهنا علي اساس ان جانبا من التمويل يتم بتسهيلات ائتمانية للشركات والافراد. لتجنب هذا الموقف فإنه من الضروري أن يكون هناك نظرة مستقبلية تضع في اعتبارها كل الاحتمالات.