إذا علمت أن نهاية الطريق هي الهاوية فالأفضل التوقف، وإذا قال اثنان إن رأسك ليس فوق كتفك فقد لزم التأكد، وإذا أنت فشلت في جلب الأصدقاء فلماذا تجلب الأعداء؟، وهل يمكن أن تكايد أخاك بأن تفقأ بأصابعك عينيك، ولعلي أعلم مسبقاً: أن الذي بداخل البئر لا يري إلا الفوهة، وأن من أراد أن يتذوق جوزة الهند عليه أن يكسرها، لكنك يا شقيقي العربي تذوقت علقم ذلك مرات فلا حاجة لك بكسر الجوزة والتألم منها كل مرة، وعليك ألا تبصق في البئر فقد تشرب منها يوماَ، فأنت لا يمكنك إعادة القمح من الدقيق، واعلم أن العفريت ينشط عند تجمع الصبيان، ومحافل السلطة لا تخلو من الشياطين، فلا تكايدني ولا تزمجر لتخيفني فالذين ولدوا في العواصف لا يخشون الرعود. هي كلمات من عيون تراثنا العربي، وهي أيضاً لا تخلو من سياسة، وفيها من جزالة اللغة وروعة المعني وأناقة المبني ما يغنيك عن الشرح والتحليل والتوصيف، ذلك أن أحداث وأخبار ومفارقات منطقتنا العربية هذه الأيام قد تكاثرت علينا وصدمتنا وربما حيرتنا في معالجتها بكلمات وأوصاف، فاستعرت لك هذه الكلمات علها تسعفنا فيما توحلنا فيه مستجداتنا وتحولاتنا العربية بفعل أشقائنا في الخليج بما يأتونه من أفعال وما يذهبون نحوه بغرائب الأحوال. كنت ومازلت من الداعين لعلاقات تعاون وثيقة مع الأشقاء العرب، ولقد كتبت عدداً من المقالات أطالب فيها بعض الكتاب السعوديين والمصريين بعدم التلاسن وتعريض العلاقات العربية العربية لأزمات وخلافات نحن في غني عنها، وأنه من الأجدر بحل المشكلات الحالية والطارئة بين مصر والسعودية والتي طلت برأسها بعد وفاة المغفور له الملك عبد الله علي مستوي قيادتي البلدين في مصارحة تضع الأمور بكل تفاصيلها لحوار هادئ، لكن لم أكن أتوقع أن تأخذنا المكابرة والعناد إلي حيث نقف الآن أمام مشهد يصعب حسابه علي باب السياسة وأروقة الدبلوماسية قدر حسابه علي باب المكايدة والإضرار العامد والحسابات الخاطئة، التي ما يصح أن تكون أساساً للتعامل مع الأشقاء، فلعلها تخصم من السعودية أكثر مما تستفز مصر. وكيف للسعودية أن تضع دبلوماسيتها وسياساتها في صورة صبيانية نحن لا نقبلها لها ولا نحتملها علي أشقائنا خصوصاً أننا نعرف أنهم مدفوعون بدسيسة أمريكية تركية قطرية، ونعرف أكثر أنه منذ أن تولي الجبير وزارة الخارجية وقد بدأت المشاكل، ونعرف أن أوباما ليس مخلصاً للخليج وهو يستنزفهم في حروب عبثية. عندما سألتني أول أمس العديد من المواقع الإخبارية الرأي في زيارة وفد سعودي برئاسة مستشار العاهل السعودي بالديوان الملكي أحمد الخطيب إلي سد النهضة الإثيوبي، وكان في استقباله مدير المشروع سمنجاو بقلي. وطبقاً للتليفزيون الإثيوبي الرسمي، أن مستشار العاهل السعودي التقي أيضاً، رئيس الوزراء هيلي ماريام ديسالين. وأشار إلي أنه جري خلال اللقاء الاتفاق علي تشكيل لجنة مشتركة للتعاون بين البلدين، ودعا ديسالين السعودية إلي دعم مشروع سد النهضة ماديًا والاستثمار في أثيوبيا، وفق التليفزيون نفسه. لم تكن الجرائد قد نشرت الخبر، وأخذتني صاعقة ذلك أن وزير الزراعة السعودي السيد عبد الرحمن بن عبد المحسن الفضلي زار أثيوبيا الأسبوع الماضي. فما هو سر هذا التركيز المبالغ فيه علي أثيوبيا؟ ولماذا الآن؟ بعد ما أثير وشاع عن خلافات مصر سعودية لم تعد مكتومة أو محض تكهنات، وقد سبق للعاهل السعودي أن استقبل في 21 نوفمبر الماضي بمكتبه بقصر اليمامة، رئيس وزراء أثيوبيا في حفاوة مبالغ فيها وحضر اللقاء حشد ضخم من كبار الأمراء والوزراء والمسئولين السعوديين ونظرائهم من أثيوبيا، كما رشحت من قبل أخبار عن ترتيبات سعودية نشطة مع دول أفريقية من حوض النيل، إريتريا وأثيوبيا وأوغندا والصومال وغيرها بشأن التعاون الأمني والاقتصادي والترتيبات السياسية، فإذا جمعت أجزاء الصورة المرسلة كما البازل يتضح لك أنها سياسة سعودية تخلو من البراءة أو هي نوع من المكايدة والهزار السخيف الذي »قلب بجد»، إذ هي سياسات عامدة للإضرار بالمصالح المصرية التي تتعلق بشريان حياة المصريين، كما أوقفت أرامكو إمدادات البترول الشهرية المتفق عليها منذ أكتوبر حتي اليوم، وقبلها ذهب الملك سلمان إلي الدوحة وبالغ في إعلان سعادته بتميم وسياساته ومؤامراته علينا وراح يرقص معه وكأنها رسالة تخرج فيها السعودية لسانها لمصر. ينتقل بعدها ركب أشقائنا الملوك والأمراء إلي المنامة لعقد مجلس التعاون الخليجي، وإذا برئيسة وزراء إنجلترا تتوسط الصورة وتحضر الاجتماعات وتتحدث عن أمن الخليج بما يوحي بأنها المتعهد الجديد، ولقد عالجت ذلك في مقالي الأربعاء الماضي، وكأن الرسالة أن الخليج ليس في حاجة للقوة العربية المشتركة التي وأدتها السعودية والجزائر من قبل وأنهم في الخليج ليسوا في حاجة لمسافة السكة. إنها الحسابات الخاطئة لأشقائنا الذين مهما تمادوا في غضبتهم غير المبررة لا نتمني لهم إلا الخير، ويحزننا أن يسلموا أنفسهم لتيريزا ماي أو غيرها ممن تختلف المصالح بيننا وبينهم. ألم يتعظ الأشقاء مما حدث من قبل حين أدخلونا في دوامة لم تخرج منها المنطقة حتي الآن واستدعوا جورج بوش وقواته للمنطقة وبسببها دمرت العراق، وبعدها دمرت سوريا وليبيا واليمن. يستعدون إنجلترا لأمن الخليج والأخبار الراشحة عن اجتماعات اللجان المتخصصة في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو تنبؤ بأن مشكلة الحلف مع أمريكا أن دوله غير قادرة بذاتها علي حماية أمنها، وقرروا زيادة مخصصات الدفاع وإعادة النظر في مخططاته واستراتيجياته. يا سادة بريطانيا التي تعهدت بحماية الخليج تحتاج حماية، وأنتم أيها الأشقاء تأخذكم المكايدة والتسرع إلي حيث تضرون بأنفسكم وأشقائكم في مصر، وتتناسون أن المكايدة لا تصلح أن تقوم سياسة، ناهيك أن تكون رشيدة، لذا أدعوكم لقراءة وتدبر كلماتنا من تراثنا المشترك في صدر المقال.