اضطرتني ظروف سفري إلي لندن لحضور سوق لندن السياحي الدولي إلي عدم المشاركة في الدورة الثالثة لمؤتمر مصر الاقتصادي.. هذا الحدث بما دار فيه من مناقشات وتبادل للآراء حول أوضاعنا الاقتصادية يمثل بتوقيته وفي أعقاب قرارات الإصلاح الاقتصادي.. أهمية خاصة تخدم مسيرتنا لعبور هذه المرحلة الصعبة نحو الازدهار والتقدم. علي ضوء ما صدر من قرارات وتوصيات.. أصبح هذا المؤتمر السنوي علامة بارزة ورائدة فيما يجب أن يقوم به الإعلام الهادف من دور إيجابي في عملية بناء مصر. رغم وجودي بعيدا عن فعاليات هذا المؤتمر الذي شهد حضورا ثريا من المسئولين في الدولة ومن الخبراء وأهل العلم في كل ما يمكن ان يساهم في نهوض هذا الوطن.. إلا أنني حرصت علي متابعته من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاليكتروني. النجاح الذي حققه والنتائج التي توصل اليها تحسب لحماس ياسر رزق رئيس مجلس ادارة أخبار اليوم وهو أحد أبناء هذه المؤسسة الوطنية العريقة الذين يدينون لها بالفكر الخلاق والانتماء والتربية المهنية. لا يفوتني أيضا أن أشيد بكل الزملاء ا لذين شاركوا في الاعداد والتجهيز ليكون المؤتمر في هذه الصورة الرائعة والمشرفة. القضايا الاقتصادية والتنموية المطروحة علي الساحة كانت مثار بحث ونقاش وجدل بناء بين كل المشاركين ممن هم في السلطة والخبراء وكذلك أصحاب المشروعات في كل المجالات.. الجميع حرصوا علي ابداء الحلول اللازمة استنادا علي ما لديهم من خبرة عملية ومعايشة لكل المشاكل ودراية بالمتطلبات والاحتياجات. كانت الجلسات فرصة لان يستمع الجميع كل منهم للآخر وصولا إلي ما يجب أن تسلكه الدولة بعيدا عن التعطيل والتعقيد اللذين يوقفان أي تقدم. اتفق كل المشاركين علي حتمية قرارات الإصلاح الاقتصادي وضرورة تحصينها وتفعيلها واستكمالها مع ضمان تحسين الإدارة والأداء من جانب أجهزة الدولة. وحتي يزداد تجاوب الشعب كي يؤتي الاصلاح ثماره ويحقق الأهداف. كل ما نتمناه ونتطلع إليه من وراء مثل هذا المؤتمر أنه لابد الا يكون ساحة »للمكلمة» وهو ما لا يمكن أن تقبل به مؤسسة أخباراليوم. سوف يتحقق ذلك من خلال التزامها بالمتابعة والرقابة لكل ما تم التوصل اليه. هذه المسئولية سوف تتحملها أمانة المؤتمر التي يجب أن يضع أعضاؤها مصلحة هذا الوطن فوق كل اعتبار. من بين العديد من الموضوعات والقضايا التي كانت علي أجندة المؤتمر اثارني الاهتمام بقضية الصناعة التي أصبحت نسيا منسيا في العقود الأخيرة وحتي الآن. هذا النشاط الغاية في الأهمية للتنمية والتقدم وإيجاد الحلول للكثير من مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية تعرض للاهمال وفقدان الرعاية والحماية الواجبة من جانب الأجهزة المعنية. بعض المسئولين عن الصناعة عاشوا في غيبوبة فيما انشغل البعض الآخر في كفاح المواجهة مع أجهزة حكومية أخري لا تؤمن بأهمية ودور الصناعة وتجهل انها كانت سندا للنهوض في كل الدول المتقدمة. حول هذه الأهمية التي يجب أن تحظي بها الصناعة أعجبتني تلك المبادرة التي أطلقها ياسر رزق تحت شعار »اصنع نفسك». وأن تقوم الدولة وكل الأجهزة المخولة بمساعدة ورعاية الشباب علي اقامة المشروعات الصناعية الصغيرة. ان هذه المشروعات ومن واقع تجارب الدول المتقدمة هي بداية كل مشروع صناعي كبير يفتح أبواب الاستغناء عن المثيل الأجنبي وزيادة معدلات التصدير إلي الخارج لجلب العملات الأجنبية إلي جانب ما يحققه ذلك من القضاء علي البطالة. هذه الرعاية يمكن ان تتحول إلي هدف تنموي قومي تدعمه مبادرة القيادة السياسية القائمة علي تقديم قروض بفائدة ميسرة لكل شاب يتقدم بفكرة مشروع منتج. تعظيم التنمية الصناعية يعد الأجدي والأنفع لتحقيق الانطلاقة المأمولة التي يتطلع اليها الشعب للحاق بركب الدول المتقدمة اقتصاديا واجتماعيا وتكنولوجيا. ان أي أنشطة أخري مهما تحقق من عائد لا يمكن ان تكون بديلا لتنمية النشاط الصناعي وصولا للارتفاع بالناتج القومي والنمو الاقتصادي العام. ان كل هذه الأنشطة مهما كانت اغراءاتها للدولة أو الأفراد تأتي بعد ان يأخذ النشاط الصناعي نصيبه من الاهتمام الذي يتناسب ودوره الاساسي في التنمية. هنا لابد ان اشير إلي ان النشاط العقاري الذي تغول واستنفد المدخرات من خلال فتح أبواب الربح والمضاربة الاستغلالية من جانب الدولة ومن جانب فئة محدودة في هذا المجتمع يفتقد هذا الدور المنوط بالصناعة. يستثني من ذلك مشروعات الاسكان الاجتماعي ووحدات الاسكان بالايجار. حول هذا الأمر لابد من مراعاة عدم المغالاة في تقدير اسعار وحدات التمليك والقيمة الايجارية لوحدات التأجير. أعتقد أنه من الأجدي حتي نضمن ترسيخ نجاح مؤتمر أخبار اليوم ان يكون هناك تركيز في كل دورة علي مبادرة أو فكرة خلاقة يتم بحثها ودراستها والعمل علي تفعيلها. في هذا الشأن لابد أن تتوافر لأجهزة الدولة المصرية القدرة علي العمل من أجل النهوض والتقدم لاسعاد هذا الشعب. هذا يتطلب استيعاب متطلبات الانطلاق نحو الآفاق التي تفتح الطريق أمام تقدم الدولة وتحقيق الحياة الكريمة لهذا الشعب. اننا نحتاج إلي عقول متفتحة تملك الشجاعة والجرأة والقدرة علي قيادة السفينة نحو التنمية الشاملة الحقيقية التي يعم خيرها علي الجميع في أرض هذا الوطن.