من عجائب الدنيا أن تجد أهرامات الجيزة الثلاث وأبو الهول بلا زوار وبلا سُياح، رغم أنهم من الأماكن السياحية الهامة القريبة إلي قلوب المصريين والأجانب، فلا تمر مناسبة علي المواطنين إلا وذهبوا إلي هناك لالتقاط الصور وركوب الخيل، والأجانب أيضاً يصرون علي قطع مسافات طويلة لأجل نفس الغرض، أما الآن فتعاني كغيرها من الأماكن السياحية من حالة ركود شديدة، خصوصاً أن المنطقة التي توجد بها الأهرامات وهي نزلة السمان أشاع في السنتين الماضيتين أن أهلها مشاركون في موقعة الجمل - التي وقعت في ثورة يناير 2011 - والتي بسببها دفعوا ثمن تشويه سمعتهم وخوف الأجانب من الذهاب إلي هناك؛ حتي لا يتعرض لهم بلطجية. ولأن كل منطقة بها آثار سياحية تعتمد في دخلها عليها، يعيش الأهالي هناك حالة من الفقر والركود؛ البازارات مغلقة.. الخيالة يقفون علي الطرق لالتقاط الزبائن.. حتي أصحاب المحلات العادية تأثروا بالتزامن لعدم إقبال العاملين في السياحة علي الشراء، فيقول الخيال محمد أبو غالي: "حالنا واقع من بعد الثورة.. وحظر التجول زاد من الأزمة لأنها أوقفت الرحلات التي تأتي من المحافظات، ما جعلنا عاجزين عن توفير طعام الخيل الذي يتكلف مصاريف الواحد منه 70 جنيها يومياً، في حين لا يدخل لي شيء، متسائلاً: هأكل الخيل ولا عيالي..؟، ما جعلنا نخسر الخيل إذ مات الآلاف منها بقدر التي ماتت في عشر سنوات ماضية، وهناك من اضطر إلي بيع خيل بنصف الثمن حتي يصرف منه" ويلتقط منه الحديث الخيال سيد زكي قائلاً: "من قلة السياحة قد تحدث خلافات بينا علي الزبائن أو نتقاسم الأموال، والأيام المقبلة لا تبشر بشيء، خصوصاً أن الدولة متخاذلة في السياحة، فعلي سبيل المثال منطقة الهرم يحاصرها سور من السهل تأمين الزوار والأفواج وإقامة الحفلات وتفتيش كل من يدخل، لكن هما بيفزعونا من التفجيرات دون أي تحرك، بالتالي صار حالنا كما وجدت فنحن بالإضافة إلي ذلك غير منضمين لأي نقابة وليس لدينا تأمين"، متابعاً أن موقعة الجمل ورطتهم في قضية.. ليست بقضيتهم، وأنهم بسببها تدولت الأقاويل والشائعات بأنهم بلطجية مما أثر بالسلب علي وجود الزوار. في الطريق إلي الأهرامات قد يستقبلك بعض من الخيالة لتوصيلك، وقد تُجبر علي ذلك، في الظاهر يبدو كأن تصرفاتهم كتصرفات البلطجة لكن عندما تتحدث إليهم تجد أنهم مغلوبون علي ذلك، فيقول يسري عبد الهادي إننا في الغالب لا نقف في منتصف الميدان لكن من قلة الشغل ننتظر الزبون لتوصيله إلي الأهرامات، ولدينا اسطبل كامل تنتظر فيه الخيل والجمال، وهو المكان الحقيقي لنا. ذهبنا إلي ذلك الإسطبل لنجد الخيل في حالة من الخمول لعدم وجود أي سياح أو زبائن، كما أنها بدت عليها الهذيان الشديد لأن أصحابها لم يعد بمقدرتهم توفير طعامها ولجوئها إلي القمامة، واستقبلنا الخيال محمد عبده، الذي يعمل بالمهنة منذ 40 عاماً، ليستعرض لنا حالهم من خلال تجولنا داخل الاسطبل، حيث الكارتات التي يحتمي فيها الصبية من الشمس أو من الواقع، قائلاً: "ليست هذه منطقة الهرم.. وليس هذا الأسطبل الذي كان يركب منه أكبر رجال الدولة والملوك والفنانين، كنا في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك عايشين أحلي عيشة.. وبنكسب أحيانا فلوس.. ودي حقيقة وربنا.. كنت مديون وسديت ديوني.. وربيت عيالي لكن عمري ماشوفت زي الوضع اللي احنا عايشينه، احنا مش لاقين ناكل Never فكانت مصاريف الخيل لوحدها تتكلف شهرياً 7 آلاف جنيه ومصاريف بيتي 5 آلاف، الآن ليس معي 800 جنيه، وهو ما عرض خمسة من خيلي للموت واضطررت لبيع ثلاثة كي أصرف منها.. والآن أعمل باثنين يعانيان من المرض، فبعد ثورة يناير 2011 خسرنا حوالي 150 ألف حصان من إجمالي 3 ملايين حصان.. هنروح فين ونشتكي لمين، أغلبنا تركوا المهنة واشتغلوا سواقين وتباعين". وأوضح الحاج محمد أن بعد ثورة يناير انضم لهم دخلاء أساءوا إلي سمعتهم، إذ يقابلون الزبائن بالضرب علي سياراتهم، ويقومون بنشر شائعات لتخويف الزبائن حتي يأخذوا فرصة تنظيم يومهم السياحي بأغلي الأسعار، مشدداً علي ضرورة تقنين وضعهم، وأن يكون هناك قرار بأن من يتبع سكنه نزلة السمان له الحق في العمل بها. أما عم وحيد أبو باشا فيرفض أن يصف أحد الخيالة بالبلطجية، قائلاً: " إحنا لو بلطجية لما حمينا قسم الهرم، ولما حمينا الفنادق السياحية.. إزاي واحد بيشتغل في السياحة يبقي بلطجي، دا أنا خسرت كل الأحصنة من كتر كلمة مفيش، حتي شركة بروك المتخصصة في علاج البهائم لم تعد تقدم لنا أي علاج كما أنها لم تعد تصرف للحصان أكله كما كانت، وذلك بسبب ما واجهته من سرقة داخلية، وبالنسبة لموقعة الجمل؛ لم نشارك مطلقاً في ثورة يناير سواء كنا محتجين أو معتدين، ورغم ذلك انتقموا منا لأننا يومها كنا قد نظمنا ضد وزير سياحة عهد مبارك الدكتور زاهي حواس وقفة احتجاجية أمام مبني ماسبيرو اعتراضاً علي قراره بإزالة الأسطبل وبناء مشروع طفطف بمشاركته لرجل الأعمال محمد أبو العينين، وقد تم القبض علي بعض منا، من ضمنهم ابن أخي طالب إرشاد سياحي والذي سجن لمدة عام وتم الإفراج عنه لعدم وجود أدلة تدينه، كمان بالمنطق هل 30 شخص ينزلوا يضربوا مليون مواطن، ونحن لا نملك أي أسلحة"، مشيراً إلي أن هناك 5 جهات تتصارع علي الاسطبل وهي: اليونسكو وشركة إيجوث والميناهاوس والآثار والحكومة، لأنه ملك سيدة إنجليزية منذ أربعينات القرن الماضي لكنه الآن بحيازة الحاج حافظ أبو باشا حيث يملك 9 قرارات من المحكمة أنه يملك 4 أفدنة و12 قيراطا.