بمجرد ذكر كلمة فأر أثيوبي قلت:يبقي المسألة كده واضحة وضوح الشمس..دي مؤامرة دولية متكاملة الأركان علي التاكسي بتاعي! "1" زحام وسط البلد كان الزبون يحتضن شنطة كبيرة في شارع فؤاد بوسط البلد وهو يشير لي لأتوقف وقد كان واضحا من هيئته أنه يقف منذ مدة طويلة حيث كان زائغ النظرات شاحب الوجه والعرق يتصبب منه وكان من الواضح أن معظم الزملاء السائقين الذين بالتأكيد أشار لهم ولم يقف أي منهم له كان عذرهم الوحيد هو خوفهم من هذه الشنطة الكبيرة التي يحملها الزبون حيث سيضعها بكل تأكيد في الكرسي الخلفي وهو ما يعني ضياع فرصة ركوب زبون آخر قد يكون في نفس اتجاه الزبون الأول مع استحالة الوقوف لفتح شنطة التاكسي لوضع الشنطة حيث الزحام وصعوبة الحركة والوقوف سيعني كلاكسات مزعجة من كل السيارات تستهجن تصرف السائق الذي يقف ليفتح الشنطة لوضع امتعة الزبون "2" الدكتورماهر خشبة المهم أني وفقا للقواعد الجديدة التي وضعتها لنفسي ومنها عدم رفض توصيل أي زبون مهما كان السبب قررت التوقف للرجل الذي بدا وكأنه غير مصدق أنه أخيرا نجح في ايقاف تاكسي حيث فتح الباب الخلفي بطريقة سريعة ثم وضع الشنطة الكبيرة وركب هو بجواري فقلت له بمجرد أن استقر في مكانه : تحب اركن علي جنب ونحطها في شنطة العربية؟ فقال : لا لا لا مفيش داعي خليها هنا قريبة مني أحسن..فانطلقت وقد بدأت اسمع أصوات غريبة تأتيني من حقيبة الرجل الضخمة التي وضعها في الكرسي الخلفي فبدأ القلق يتسلل إلي قلبي وبدأت اتخيل بيني وبين نفسي السيناريوهات التي قد تحدث لو كان ما افكر فيه صحيحا فماذا مثلا لو كان هذا الرجل قتل زوجته وقطعها أربا أربا وعبأها في هذه الحقيبة الضخمة؟ أتكون مازالت الروح تسري فيها لأنه لم يتقن ذبحها؟ هل يمكن أن تظل (تعافر) حتي تفتح الحقيبة وتخرج منها لأجد نفسي مثلا متهما بالتواطؤ مع الرجل في قتل زوجته ومساعدته علي اخفاء الجثة؟ ..ظل الصوت الذي يصدر من الحقيبة يعلو وكذلك صوت ضربات قلبي ويبدو أن الرجل شعر بما أعانيه فقال بحسم:لا تقلق..دول شوية فيران تجارب..ثم مد لي يده مصافحا:أنا آسف نسيت أقدملك نفسي..انا الدكتور ماهر خشبة مخترع مصري وباحاول اوصل لعلاج لمرض السكر ودي فيران باعمل عليها التجارب اشتريتها ورايح بيها علي المعمل بتاعي !! "3"ماذا لو؟ فيران؟ أهو ده اللي عمري ماعملت حسابه فأنا لا أكره شيئا في حياتي قدر كرهي للفيران فقلت علي الفور:اهلا وسهلا بيك يادكتور بس اسمحلي يعني تخيل كده حضرتك لو الفيران دي طلعت من الشنطة ممكن تعمل ايه في التاكسي؟ فقال ضاحكا:لا تقلق يا اسطي باشا الشنطة مقفولة كويس فقلت : دول فيران يا دكتور يعني شغلتهم الأساسية يفضلوا ياكلوا ويقرقضوا في اي حاجة لغاية لما يطلعوا منها..فقال الرجل: ياصديقي صدقني لا تخف الفيران دي اصلا بتنتمي لنوعية فيران معينة مستوردة من اثيوبيا مخصوص عشان اغراض البحث العلمي..فقلت منزعجا:أثيوبيا بتاعة سد النهضة؟ لا بقي دي كده تبقي مؤكد مؤامرة دولية علي التاكسي بتاعي..في هذه اللحظة كان صوت الفئران قد بلغ مداه وفي اللحظة التي التفت فيها الرجل ليطمئن علي الحقيبة في الخلف كان واحد من الفئران قد نجح بالفعل في التسرب من الحقيبة إلي داخل التاكسي وبدأ يعيث في التاكسي فسادا فوقفت ولم يكن أمامنا سوي اعلان حالة الطواريء لمواجهة الخطر الداهم المتمثل في هذا الفأر الذي تسلل إلي التاكسي في غفلة من الزمن ..ركنت السيارة علي جنب بعد أن أحكم الرجل اغلاق حقيبته من جديد حتي لا يتسرب فأر آخر من الحقيبة إلي داخل السيارة وأخذنا انا والدكتور خشبة نصيح طالبين الاستعانة بالناس في الشارع للقبض علي الفأر المطلوب وطبعا لان الناس في مصدر مابتصدق جنازة وتشبع فيها لطم وجدنا نص المارة في شارع فؤاد تقريبا وقفوا للمساعدة في القبض علي الفأر الذي قلب المنطقة رأسا علي عقب.. قمت بمساعدة المارة بمحاصرة التاكسي حتي لا يهرب الفأر..والغريب أن الفأر كان رغم الحصار يتجرأ أحيانا ليمرق من الكرسي الأمامي إلي الخلفي أو العكس ورغم أني وجميع المشاركين معي كنا نتسلح بجميع الاسلحة الممكنة إلا أنه كان ينجح في الافلات بكل سهولة والأغرب أن أحد هؤلاء الناس صرخ بمجرد أن رأي الفار في احدي المرات مؤكدا أن هذا الفأر أسود اللون وأنه غالبا جاء مهاجراً من احدي الدول الافريقية وغالباً من أثيوبيا فإذا بالدكتور خشبة ينظر لي كما لو كان يريد أن يقول لي:شوفت كلامي؟! "4" رشة بنج بمجرد ذكر كلمة فأر اثيوبي قال احد الواقفين:يبقي المسألة كده واضحة وضوح الشمس دي مؤامرة دولية متكاملة الأركان..تعالوا ياجماعة نقفل التاكسي كويس عشان الفار مايهربش ونروح نبلغ البوليس! فقلت بسرعة:لالالا بوليس إيه ياجماعة الموضوع مش مستاهل ياريت بس كل واحد من حضراتكم يقترح اقتراح ونشوف إيه اللي ممكن نعمله من بوليس ولا بهدلة من دي فقال أحدهم :أنا باقول نجيب قطتين تلاتة ندخلهم التاكسي نخوفه بيهم كده وكده يعني يمكن يخاف ويمشي من سكات وقالت آخر:لن يفل الحديد احنا نعمل وقيعة بين الفار الأثيوبي وفارأثيوبي تاني بس يكون من قبيلة تانية ونستغل الصراح التاريخي إللي بيكون بين القبائل دي ونخليهم هم يخلصوا علي بعض وقالت مواطنة:عيب قوي فأرالنهضة الاثيوبي يبهدلنا كلنا أنا شايفة إننا لو فشلنا في اقناعه بمغادرة التاكسي بشكل سلمي يبقي مفيش قدامنا غير نعمل عليه كام غارة بالشباشب وشوية مقشات نستعيرها من اصحاب المحلات اللي حوالينا. انتهت الاقتراحات وقبل أن اتكلم صاح الدكتور خشبة:كلام ايه الفارغ ده منك ليه سيبوني أنا أتصرف واطلع الفار صاغ سليم أنا دافع فيه الشيء الفلاني ومش مستعد إن أي واحد متهور منكم يقتله..أنا معايا بنج موضعي مخصوص للحالات اللي الفيران دي ممكن تتمرد فيها أنا دخل التاكسي وارش البنج ده واطلع بالفار..فصاح الجميع مهللين مكبرين وصرخ أحدهم: ولما حضرتك معاك الحل العبقري ده معملتوش ليه من سكات بدال الزيطة والزمبليطة اللي انتوا عاملينها دي؟..لم يرد الدكتور خشبة لكنه اخرج من جيبه بخاخة ودخل التاكسي وبالفعل رش رشتين من البخاخة وبعد دقائق معدودة ظهر الفأر يترنح وخرج الدكتور خشبة من التاكسي رافعا يده بعلامة النصرويمسك بالاخري فأر النهضة الاثيوبي العظيم ثم وضعه في الحقيبة وقال لي:ها هتوصلني ولا تاخد حسابك وكفاية كده؟ أوشكت أن أقول له اني لن استطيع مواصلة الرحلة معه لكني عدت لأتذكر مبادئي الجديدة التي ترفض التخلي عن اي شخص يطلب المساعدة حتي لو التوصيلة بلوشي..فضحكت وقلت:لا طبعا مكملين..ففتح الدكتور خشبة الباب وركب بجواري لنستأنف المشوار!