بدلا من أن يفك قرار النائب العام إحالة المتهمين فى مجزرة بورسعيد إلى محكمة الجنايات، الأزمة، ويعيد الدماء إلى النشاط الكروى المتجمد بعد أن خطونا خطوة كبيرة نحو تحقيق القصاص من مرتكبى الجريمة البشعة، وهو المطلب الذى اتفق عليه الجميع، وربط بينه وبين عودة النشاط الرياضى، بدلا من ذلك زاد القرارُ الأمرَ تعقيدا بعد أن وضع كل طرف أمام مسؤوليته التى هرب منها طوال ما يزيد على أربعين يوما، فالجميع فروا خوفا من غضب الجماهير هنا أو هناك وظلوا يماطلون ويميِّعون ويعلقون ضعفهم وقلة حيلتهم على تحقيقات النائب العام والقصاص ولم يخرج منهم من يفكر بصوت مسموع أو يطرح حلا لمستقبل ما بعد القصاص، فالمؤسسة الرياضية الحكومية ممثلة فى المجلس القومى للرياضة واتحاد الكرة المكلف رئيسه التنفيذى أنور صالح بإدارته تباطأ إلى حد التواطؤ فى تأجيل إصدار العقوبة الرياضية على النادى المصرى حتى بات تنفيذها أصعب من اتخاذها، وإدارة الأهلى رفعت نفسها من الخدمة ورفضت الجلوس والتفاوض أو النقاش فى مستقبل اللعبة بعد الكارثة وألقت بكل أوراقها فى حضن الجماهير فى انتظار أن تحدد لها الخطوة القادمة، ونفس الأمر فعله نواب مجلس الشعب عن بورسعيد الذين زايدوا على جماهيرهم فزادوا الأمر تعقيدا، لدرجة لم يفلح فيها رئيس الوزراء فى اجتماعه أول من أمس، مع الأطراف فى نزع فتيل الأزمة ليتم تسويفها عشرة أيام أخرى نجلس خلالها ننتظر الفرج لإصدار العقوبة الرياضية، أما عودة النشاط فألقى به الجنزورى لوزارة الداخلية لتحدده بعد شهر أو بعد سنة كما يراه السادة الضباط. وحتى نفك الاشتباك لنحدد مسؤولية كل طرف عن استمرار الأزمة هناك بعض النقاط المهم طرحها: أولا: جاء قرار النائب العام بإحالة المتهمين فى المجزرة إلى محكمة الجنايات مرضيا إلى حد بعيد، وهو رأى لا أستند فيه إلى رؤية شخصية أو تحليل خاص، بل جاء من محام كبير أثق فى رجاحة عقليته القانونية، وهو الصديق ياسر فتحى الذى أوكل إليه شباب الألتراس الدفاع عنهم فى البلاغ الذى قدمه ضدهم نقيب المحامين فى بورسعيد واتهمهم فيه بالتعدى على جماهير المصرى خلال المباراة، وهو البلاغ الذى جاء بعد 40 يوما من الواقعة ولكن هذا ليس موضوعنا، فالأستاذ ياسر يرى أنه إذا كانت التحقيقات قد جاءت محكمة بنفس صياغة البيان الذى أذاعه النائب العام فى القضية فإن النيابة تكون قد اجتهدت لتحقيق العدالة وأنارت للمحكمة الطريق للوصول إلى القصاص العادل، فإن صدقت هذه الرؤية القانونية فإننا نكون قد قطعنا نصف الطريق نحو عقاب المتهمين فى المجزرة والنصف الآخر فى يد المحكمة التى نتفق جميعا على إعطائها كامل الحرية فى اتخاذ ما تراه دون وصاية أو ضغط، فالقضاء العادل لا يحكم بالمظاهرات أو الهتافات أو برغبة الشارع، بل يحكم بالأدلة والقرائن والقانون، من ثم فإن الضغط أو التشكيك ليس فى صالح المجتمع، كما أن المناداة بسرعة المحاكمة وربط عودة النشاط الرياضى بإعلان قرارها أمر ينطوى على ضغط وتهديد وعدم ثقة فى عدالة المحكمة. ثانيا: أراد الدكتور الجنزورى أن يكحلها فأعماها، فمعنى أن يعقد اجتماعا مع مسؤولى المصرى وأعضاء مجلس الشعب عن بورسعيد وحدهم دون باقى أطراف الأزمة، سواء كانت هذه رغبته أو رغبة الكابتن حسن حمدى، كما سرب مسؤولو الأهلى، فهذا يصب فى اتجاه دعم الانقسام ويوسع الخلاف، ويؤكد أن المسؤولين جميعا ليسوا أهلا لتحمل مسؤولياتهم، فالأزمة ليست شخصية بين حمدى وأهالى بورسعيد حتى يغضب من ممثليهم ويرفض الجلوس معهم، والحاضرون جميعا لم يشاركوا فى هذه الجريمة حتى يغضب طرف من آخر، بل من المفترض أنهم على درجة عالية من الوعى والحرص لخروج البلاد من هذه الأزمة التى لو استمرت معالجتها بهذا الأداء السيئ ستتحول بورسعيد إلى جمرة نار، وستقوم جماهير الأهلى بتشكيل ميليشيات للدفاع عن عَلَمهم، فنحن أمام كارثة تحتاج إلى جرأة وشجاعة فى مواجهتها، لا إلى هروب وخوف وجبن واختفاء فى عباءة الجماهير.