يسرح ويرمح على سطح حياتنا الآن قطيع مقرف جدا من السادة المنافقين (جلهم من قطعان مباحث التموين القدماء)، هؤلاء لا ينطقون ولا يكتبون أو يهلفطون بأى كلام فارغ فى أى موضوع تافه، إلا وترى كل نطع منهم وقد حشر حشرا فى كلامه تلك العبارة البلهاء التى تنعت فضيلة الشيخ محمد مرسى بأنه «رئيس مدنى منتخب»!! طيب يا سيدى، ماذا تريد وماذا تعنى؟! لا تجد نطعا يجاوبك صراحة وإنما القطيع كله يبدو كأنه يريد بالإلحاح الغلس والتكرار الممل أن يلقى فى روع الناس وعقولها فكرة غبية مختصرها أن حكاية الرئيس المدنى المنتخب هذه «شهادة ضمان» أو «شهادة جودة» دائمة ونهائية لا تقبل طعنا ولا تسمح بشكوى الزبون من أى عطب أو عيوب فى الصناعة! غير أن أحدا (أظن) لم يهتم بإجراء عملية تحليل وتفكيك لهذه العبارة الببغاوية، وأستأذنك أن يحاول العبد لله القيام بتلك العملية فى السطور المقبلة مجانا.. وأبدأ بالتفكيك والفصل (لأغراض البحث) بين كلماتها الثلاث، وهى «رئيس» ثم «مدنى» وأخيرا «منتخب» إن شاء الله. ولعلك تلاحظ أن هذا هو الجزء الأسهل من العملية وقد تم بنجاح وبغير خسائر تذكر فى الأرواح، مما يشجعنى على الشروع فورا فى فحص وتحليل كل كلمة منها على انفراد (أعرف أن هذه «خلوة شرعية» تستدعى فى الأحوال العادية «زواجا عرفيا» لكن القاعدة الفقهية أن الضرورات تبيح المحظورات) فهيا بنا إذن إلى كلمة «رئيس». هذه الكلمة إذا تأملتها حضرتك مليا وناظرتها جيدا بالعين المجردة، فسوف يتبين لك من دون عناء، أنها تعانى من أعراض إحباط وغربة شديدة عن الحالة التعبانة التى جُرجِرت إليها، آية ذلك أن فضيلة الشيخ مرسى بدا منذ اعتلائه كرسى الحكم متمسكا جدا بحلمه القديم أن يفوز بمنصب خطيب فى جامع أو زاوية أو حتى «مسجد ضِرار»، وهو عموما لم يتصرف خارج دائرة الخطابة والوعظ إلا ك«ذراع رئاسية» للست جماعته، لكنه أحيانا وبإيعاز من الست المذكورة، يسلك سلوك الأباطرة والسلاطين المتمتعين بسلطات وحصانات شبه إلهية، وليس الرؤساء المقيدين بحدود وموانع دستورية وقانونية. أما كلمة «مدنى» فحالتها متأخرة جدا وربما تصعب على الكافر، إذ تبين من الكشف عليها أن هذه المسكينة تكابد آلام فقدان وضياع المعنى تماما، فهى شخصيا لا تعرف إن كان لصقها بالعافية بالشيخ محمد مرسى يعود إلى أن فضيلته ليس عسكريا ولا مجندا فى الجيش، أم لأنه من النوع الcivil أو الsecular (غير دينى) وقد قالت لى بنفسها وبنبرة حزينة تمزق نياط القلب: إذا كان الشيخ الدكتور محمد مرسى كذلك، أى شيخا وخطيب جمعة مفوها، فبحق الله ما علاقتى أنا بفضيلته ولماذا يحبسوننى بجوار جنابه من دون ذنب ولا جريرة؟! والحق أننى أشفقت على الأخت «مدنى» إشفاقا عظيما فعلا، لكنى لم أسمح بالعواطف أن تؤثر فى العملية التى تطوعت لإنجازها، لهذا جاهدت نفسى لئلا أبدو متخليا عن الحياد العلمى المفترض، وجاوبت سؤالها قائلا: هم غالبا لا يقصدون من وراء تشريفك بالحبس فى معية الشيخ مرسى، أن الرجل لا يرتدى مسوح الدين وإنما أرجح أنهم استعانوا بحضرتك لكى يسبغوا على فضيلته ميزة أنه ليس من أصحاب الخلفية العسكرية فحسب.. فاجأتنى «مدنى» برد ألقمنى حجرا، فقد هتفت متسائلة باستنكار: وهل مجرد أن شخصا ليست له خلفية عسكرية يكفى وحده لتمييزه وتأكيد جدارته بالحكم؟! ثم يا أخى، ما علاقة الخلفية العسكرية أصلا بجودة الحاكم من عدمه؟ وهل كل عسكرى سابق لا بد بالضرورة أن يكون حاكما سيئا وديكتاتورا، وهل كل من ينعتونه باسمى رائعا وعظيما؟.. ألا يعرفون أن أشياء من ماركة الأستاذ «هتلر» والأستاذ «موسولينى» و«صدام حسين» وغيرهم، لم ينحشروا أبدا فى زمرة العسكر، ومع ذلك صنعوا ديكتاتوريات عاتية ونظم حكم قاسية رهيبة بينما حكام آخرون مثل الجنرال ديجول الفرنسى، وداويت أيزنهاور الأمريكى، وجمال عبد الناصر المصرى العربى، هؤلاء وغيرهم أتوا من خلفيات عسكرية لكنهم كانوا حكاما مدنيين بحق وراشدين وصالحين بامتياز، فأين هى إن شاء الله الميزة التى يظنون أنهم كسبوها من وضعى غصبا وقسرا فى قصر الشيخ المرسى؟! هكذا أنهت أختنا «مدنى» تساؤلاتها المريرة.. لم أجرؤ على الرد، ولم أنبس ببنت شفة بل سكتُّ وانكتمتُ خالص وانصرفت بهدوء إلى الكلمة الثالثة والأخيرة الست «منتخب»، ولدهشتى فقد وجدتها بصحة جيدة وزى القرد، فقط لاحظت أنها تضحك عمال على بطال، ففهمت أنها من الناحية الجسمانية والعضوية سليمة، لكنها تعانى غالبا من إصابة عقلية خطرة، لهذا استدرجتها بالراحة إلى شيزلونج (كنبة) التحليل النفسانى فلما تمددت عليها وراحت تبوح بمكنونات نفسها المعذبة تراكمت أمامى حقائق طريفة لا أستطيع إذاعتها، لأن المولى تعالى أمر بالستر.