القريحة المصرية التى جادت بهذا التعبير كانت فى أقصى لحظات سخريتها، الجملة التى أصبحت تنهى أى حوار به طرف غير قادر على إقناع الطرف الآخر بالكامل بها من الأسرار ما يجعل الطرف الآخر يرضخ سريعا.. وانت راجل متجوز وعارف. نستخدم الجملة غالبا فى نهاية الحديث عن مأساة من النوع أقل من المتوسط، كعذر أو كمبرر لطريقة ما يتعامل بها قائل الجملة مع الوضع، غالبا ليعبر بها عن قلة الحيلة المشروعة، قلة الحيلة غير النابعة عن ضعف، ولكن نابعة عن (شراء الجمجمة) و(أكل العيش) و(تسيير المراكب)، قد يلجأ البعض إلى تعبير آخر (الستات دماغها صغيرة) لكن من يرى هذه الجزئية ميزة وليست عيبا.. من يراها (أوبشن) له جمالياته وله مساوئه كأى شىء فى العالم.. من يرى أن الشريكة غير جديرة بجملة تحوى قدرا من الإهانة من الحجم أقل من صغير.. هذا الشخص يفضل أن يرتكن إلى قانون المؤسسة كله دون أن يحمل على طرف بعينه (إنت راجل متجوز وعارف). مع إن (الراجل المتجوز) فى حد ذاته عبء من الحجم فوق الفظيع ويتفنن فى استخدام رخصة رجولته عشوائيا ولا إراديا بحكم المجتمع الذى نشأ فيه، أذكر من يومين سمعت دون أن أقصد أو أتعمد جملة قادمة من شقة إلى جوار الأسانسير فى إحدى العمارات: «عشان أنا الراجل»، لم يكن هناك أى تعليق على الجملة، فأدركت أن رجولة الجار كانت غاشمة لدرجة كفيلة بكتم أنفاس زوجته، قلت لنفسى لعله كان يمسك بالريموت كنترول، ربما زوجته تريد أن تتابع حلقة جديدة من المسلسل التركى المستوحى من مسلسل أمريكى شهير ومدبلج بالسورى حتى تستمتع به امرأة متزوجة تعيش فى العاصمة المصرية، بينما الزوج يريد أن يتابع الكابتن الشهير الذى تفوق فى التحليل الكروى، فربنا كرمه واترقى، وبقى يتكلم فى السياسة بالطريقة نفسها التى كان يتحدث بها نجاح الموجى فى المسرحية الشهيرة (تعرف إيه عن سياسة التوافق ياد يا مزيكا.. يعنى يا بخت من وفق راسين فى الحلال.. دى سياسة أمك). هذا المنطق الرجولى يسرى فى مناطق كثيرة بنفس سلاسة سريان الفئران فى الغيطان.. عشان انا الراجل.. (أنا اللى أرد على تليفون البيت).. (أنا اللى أفتح الباب).. (ماترديش عليا).. (ماتحطيش ماكياج واحنا خارجين).. (إيه اللى انتى لابساه ده).. (صوتك مايعلاش وانا باكلمك).. (قول لى حاضر وبس).. (الكلمة كلمتى).. (ماتخرجيش غير لما تقولى لى).. (ده بيتى أعزم فيه اللى انا عايزه).. (هيه كلمة واحدة).. (ماتقوميش ترقصى فى الفرح).. (مالكيش دعوة انتى). ويا سلام عندما يستخدم الرجل هذه الرخصة على مائدة الطعام.. مقومات الرجولة تتجلى فى الحكم على مستوى الملح، ودقة تقطيع الطماطم فى السلاطة وحسن قوام الأرز ودرجة الأخضر بالنسبة إلى لون الملوخية ودرجة تحمير الفراخ ومدى طزاجة الخبز. الرجولة مرتبطة بأهمية أن تخلو السفرة من أى صنف لا يحبه الزوج حتى لو كانت الزوجة تشتهيه (إبقى كليه عند أمك)، مرتبطة بأن يصل الطعام إلى فمه وهو فى درجة حرارة مناسبة فلا هو شديد السخونة فيطيح بالطبق فى وجه زوجته مع اتهام لها بأنها مؤذية، ولا هو بارد فيكون الحكم مزدوجا وأنه (أكلك بارد زيك). هذا نوع من الرجال يستخدم كارنيه الرجولة لأنه غالبا لا يمتلك ما يدل على جنسه، أمر آخر غير ما سبق، فالراجل اللى على حق يحصل على كل ما سبق إذا كان يرضيه دون أن يطلبه، هى دى بالذات أشياء لا تشترى لكن من الممكن أن تستأجرها بالكارنيه، وستظل تستأجرها إلى أن تنفذ صلاحية الكارنيه ويتصل بك أصدقاؤك، فترد المدام نيابة عنك قائلة (لا والله الحاج نايم شوية).. وانت راجل متجوز وعارف. هذه الجملة يطرحها البعض من منطلق ساخر، والبعض من منطلق هو الرضا بعينه، والبعض من منطلق السؤال عما إذا كانت هناك بدائل أخرى، والبعض من منطلق الهروب من التقطيم، وصارت الآن تحليلا سياسيا مشروعا ومقبولا فى ظل حكم العسكر.. هل تعرف لماذا اضطروا إلى الإفراج عن المتهمين الأمريكين؟.. الإجابة فى عنوان المقال.