قبل أيام قلائل احتفلنا بعيد الميلاد المئوى لأهم وأشهر وأصدق ضحكة عرفتها مصر والعالم العربى كله طوال التاريخ.. إنها تلك الضحكة التى قدمها لنا إسماعيل ياسين منذ نهاية ثلاثينيات القرن الماضى. أكثر من 70 عامًا وهو يضحكنا ولا يزال قادرًا على أن يغسل همومنا!! من الذى يمنح الفنان تأشيرة الدخول إلى قلوب الناس. إنها المشاعر التى تنفتح لتستقبل فنانا أو تنغلق فترفض آخر.. بين نجوم الكوميديا لا يملك أحد أن يراهن على النجاح المسبق، والتاريخ الفنى يؤكد لنا كم راهنوا على نجم كوميدى قادم، ثم أثبتت الأيام أنه لم يتقدم ولو خطوة واحدة للجمهور.. إنه سر خاص، الناس فقط هى التى تملك هذا السر الذى يبدأ بنظرة فابتسامة فضحكة.. لا يوجد فنان كوميدى كان هو صاحب الخطوة الأولى.. الجمهور هو الذى يقرر أولاً.. هو الذى يمنح الفنان لقب كوميديان.. إسماعيل ياسين جاء من السويس فى مطلع الثلاثينيات، وهو يحلم بشىء واحد أن يصبح مثل محمد عبد الوهاب مطربًا ذائع الصيت، يقدم الأغنيات والقصائد الرصينة، وغنى بالفعل «أيها الراقدون تحت التراب»، بينما كان الجمهور يضحك استنكارًا، وإسماعيل يصر أن يكمل فكادت الجماهير أن تفتك به وتضعه هو شخصيا تحت التراب لو أكمل الأغنية!! ووجد نفسه يتجه إلى المونولوج بناء على طلب الجمهور، والتقى فى صالة بديعة مصابنى برفيق المشوار أبو السعود الإبيارى الكاتب الدرامى والغنائى والزجال الذى شكل معه توأمة فنية، ولديه العشرات من المونولوجات مثل «السعادة»، و«ماتستعجبش ماتستغربش»، كما تعرف أيضا على فريد الأطرش ومحمد فوزى، وكان كل منهما يصر على أن يشاركه إسماعيل ياسين البطولة فى أغلب أفلامه، باعتباره هو المسؤول الأول عن إيصال الضحك إلى الجمهور!! أفلام إسماعيل ياسين التى حققت أعلى الإيرادات وضعته على القمة مع مطلع الخمسينيات كنجم أول للشباك، لكنه منذ نهاية الثلاثينيات وهو يعتبر الورقة الرابحة فى السينما. كان يتقدم خطوة خطوة حتى اعتلى العرش واستمر حتى منتصف الستينيات على القمة ملكا متوجا بعد ذلك بدأ رحلة الأفول.. ماتت ضحكات الناس الذين كانت تنشرح قلوبهم بمجرد سماع اسمه، صاروا لا يعيرون وجوده التفاتًا، ومضت بعدها سنوات قليلة، ومات أيضًا إسماعيل ياسين فى منتصف عام 1972، لكن الناس لم تنس أبدًا أنه النجم الأول.. أطفال زمن الكمبيوتر لا يزالون يعتبرون أن إسماعيل هو الأقرب إليهم، والدليل على ذلك أن أفلامه الأبيض والأسود تحقق فى القرن الواحد والعشرين أعلى كثافة فى المشاهدة.. كان إسماعيل ياسين عنوانًا لمصر، بل أكبر عناوينها منذ بزوغ نجوميته، كان سفير مصر الأول للكوميديا فى العالم العربى!! وتأملوا هذه الحكاية فى منتصف الخمسينيات كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى زيارة إلى الملك الأسبق الراحل محمد الخامس فى المغرب، وبينما الوفد الرسمى يتحرك بين الجموع استطاع أحد المواطنين اقتحام الموكب واتجه إلى جمال عبد الناصر قائلاً حضرتك من مصر؟ أجابه أيوه.. قال له عندما ترجع سلم لى على إسماعيل ياسين!! لم تمنعه ضآلة نصيبه فى الوسامة من أن يصبح محبوبًا على الشاشة، غنت له شادية «عجبانى وحاشته.. وحاشته عجبانى»، وغنت له فايزة أحمد «يا حلاوتك يا جمالك خليت للحلوين إيه.. كان مالى بس ومالك تشغلنى برمشك ليه».. تخيلوا قدرة رموش إسماعيل ياسين على قهر النساء!! السر الحقيقى لحالة التواصل مع الناس هى تلك المنحة الإلهية التى لا يمكن إخضاعها للتفسير العلمى، ولكن حالة انتشاء وسعادة ينقلها إسماعيل ياسين من الكاميرا إلى الشاشة تبث ذبذباتها مباشرة إلى الجمهور. طريقة أداء إسماعيل ياسين هى أن يقدم دائمًا إسماعيل ياسين. أنت تشاهد شخصية درامية واحدة تتكرر بتنويعات متقاربة فى أغلب الأفلام.. إلا أن الناس تذهب إلى أفلام إسماعيل ياسين، وهى موقنة أنها دفعت ثمن التذكرة لكى تضحك ولم يخذلهم إسماعيل ياسين. كانت حياته أشبه بدائرة تلتقى فيها نقطة البداية بالنهاية. المحطة الأولى كانت أداء المونولوجات فى الكباريهات، وجاءت أيضًا المحطة الأخيرة من مشواره عندما عاد من أجل لقمة العيش إلى شارع الهرم مونولوجستا يلقى النكات والناس بدلاً من أن تضحك، تسخر منه قائلة قديمة يا سمعة، ولكن الفضائيات أعادت إليه مكانته فى القلوب واحتفظت لنا بضحكة صافية نغسل بها همومنا.