متى نقول إن مصر تقدمت؟ الإجابة التلقائية حين تتبنى نظاماً ديمقراطياً حديثاً ودولة وطنية تؤمن بالمواطنة والعدالة و المساواة بين كل مواطنيها، وهل هناك علامات لهذا النظام؟ نقول نعم وأولاها أن يصبح أداؤه شبه ما يجرى فى العالم، أى يكون الجدل السياسى فيه له علاقة بالقواعد الديمقراطية، وأن تكون إجراءات العملية الانتخابية مثلها مثل أى دولة أخرى فى العالم، وأن يقول كل شخص كلاما مسؤولا يحاسب عليه، من نائب البرلمان إلى إعلاميى الفضائيات، ومن شباب الثورة إلى قيادات الأحزاب. أول مظهر هو أن تجرى الانتخابات القادمة فى يوم واحد مثل كل بلاد الدنيا وليس على شهرين، بسبب غياب الثقة فى الجهاز الإدارى للدولة باستثناء القضاء، وأن يفتح باب الاقتراع فى الصباح الباكر ويغلق فى المساء ولا يترك للناس يومين للتصويت، حتى يصبح وضعنا من حيث الإجراءات مثل كل بلاد العالم الفقيرة منها والغنية. هل يعلم الناس أن الانتخابات التى جرت فى تونس نُظمت الدعاية فيها مثلما تنظم فى فرنسا، وباقى الدول الديمقراطية، بأن أعطيت للمرشحين مساحة متساوية ومحددة فى الشوارع والميادين لوضع ملصقاتهم، ولم نشاهد كل هذه الفوضى التى رأيناها فى شوارع مصر، حيث استباح كل من هو «مزنوق فى قرشين» الشوارع ليضع صوره فى كل مكان، حتى وصلت إلى الإعلانات الضخمة التى تشبه إعلانات المسلسلات والأفلام. فى البلاد الديمقراطية البلدية تنظم أماكن الدعاية، وفى بلادنا يجب أن تكون هناك جهة محايدة تتولى تنظيمها وتحديد أماكنها وسقف للإنفاق عليها، بديلاً عن «الفوضى الدعائية» التى لا نجدها فى تجربة ديمقراطية حقيقية فى العالم كله. لا يجب أيضا أن نعتبر أن الديمقراطية لا تمنع شخصاً عمره 70 عاماً من الترشح فى انتخابات الرئاسة، كما طالب البعض، ولا تقول لعسكرى ممنوع عليك أن تترشح لأنك كنت يوماً ضابطاً فى القوات المسلحة، وهو أمر مسىء للثورة وللديمقراطية أكثر مما هو مسىء للمؤسسة العسكرية، وننسى أن إسرائيل تشهد رؤساء حكومة منتخبين بعضهم من أصول عسكرية ولكنهم تعلموا السياسة فى أحزاب سياسية ونظام ديمقراطى «مغلق على اليهود»، وليس على يد حسنى مبارك، ويجب فى مصر الجديدة أن تكون بلداً طبيعياً يحكمه من يختاره الشعب ولا يتخذ أى فريق مواقف ثأرية من أحد لأن الثأر لا يبنى ديمقراطية ولا يصنع تقدماً. علامات التقدم كثيرة ليست فقط فى أن نهتف بسقوط العسكر أو الرئيس أو الحكومة ولا أن نعتصم فى ميدان التحرير طول الوقت، إنما أن نتظاهر دون أن نحاصر وزارة الداخلية ومديريات الأمن، ثم نطالبها بأن تحمى الشعب وهى غير قادرة على حماية أنفسها. لن نتقدم إذا مارسنا فقط حق الإضراب دون العمل، فهذا معناه أن مظالم مبارك لاتزال معنا وأننا لم نخرج من إرثه فغرقنا فى الاحتجاجات الفئوية والمظاهرات اليومية التى تُخرج كبتاً استمر 30 عاما، دون أن تؤسس للمستقبل، وينسى بعضنا أن التقدم سيبدأ حين نصبح مثل شعوب الدنيا التى تقدمت، بنقل الثورة من الشارع إلى المؤسسات، ونكون نموذجاً يضاف لتجارب النجاح لا رقما يضاف لتجارب الفشل.