وسط كم هائل من الأعمال الفنية التى تتعامل مع المشاهد على أنه غير قادر على استيعاب الفن الجيد؛ جاء مسلسل «فيرتيجو»، الذى انتظره على الأخص المعجبون برواية أحمد مراد والتى نالت قدراً كبيراً من الشهرة وترجمت إلى عدة لغات. بقدر ما يساعد العمل الفنى الشهرة التى نالها النص الأدبى بمقدار ما يكون عائقا أمام المبدع لأن لكل قارئ عالمه الخاص الذى رسمه لأبطاله عندما قرأ الرواية ولذلك كان مهما للغاية الفصل النفسى للمشاهد والابتعاد عن خياله والذى امتلكه من قراءته للرواية ؛ خاصة أن السيناريست محمد ناير له رؤيته الخاصة به التى استهلها بتحويل البطل إلى بطلة ليناسب الدور هند صبرى. تبدأ الأحداث على وتيرة من التشويق والإثارة بعد استعراض مبدئى لطبيعة وسيكولوجية البطلة فريدة ومخزونها النفسى والعقلى وبعدها الاجتماعى الذى يجعلها متناسقة مع الأحداث فيما بعد وفى القاعة الدوارة بالطابق الأعلى بأحد أفخم فنادق القاهرة المطلة على النيل, . قلعة كبار رجال المال والأعمال، السياسة والفن. حيث تعقد الصفقات وتدبر الخطط، التى غالبا ما تفوح منه رائحة الفساد. فى هذا المكان تبدأ «فريدة» المصورة الموهوبة، مشوارها لمعرفة الحقيقة وكشف القناع عن عالم مصر السفلى الذى كان فتيل الثورة بعد ذلك, ورغم أنه جاءت إلى هذا المكان صدفة فإن التمهيد الدرامى الذى قدمه السيناريست لشخصية البطلة يحولها من مجرد الشاهدة الوحيدة على جريمة بشعة أودت بحياة أحد رجال الأعمال، واثنين من أصدقائها المقربين كانا يعملان ب «فرتيجو» إلى شخص فعال يحاول كشف الحقيقة وأخذ حق هؤلاء الذين ماتوا ظلما, البداية كانت من أجل أصدقائها الذين ماتوا غدرا ولكن مع الأحداث اتسع الأفق ليشمل حق الوطن بأكمله لكشف العديد من الحقائق حول ملفات الفساد العديدة والمتشابكة؛ وتورط الكبار من رجالات النظام بمصر فى تلك الفترة. وبالطبع إن النص الأدبى ساعد كثيرا السيناريست، خاصة أن الكاتب أحمد مراد عمل مصوراً بقصر الرئاسة ومصمم جرافيك ودرس بمعهد السينما وحصل على عدة جوائز فى التصوير السينمائى من مهرجانات أوروبية للأفلام القصيرة، هى ما جعلت عمله الروائى الأول «فيرتيجو» التى صدرت عام 2007 يملك مقومات كثيرة لمعرفة الحقيقة وصياغتها بشكل يشد القارئ, واستفاد من ذلك السيناريست محمد ناير عندما كتب السيناريو، إلى جانب أن هند صبرى تقمصت شخصية فريدة بنفس المشاعر والأحاسيس التى يريدها قارئ الرواية, وهناك من شاهدوا المسلسل ولم يقرأوا الرواية يشترونها. وأعتقد أن استخدم أسلوب الفلاش باك بين فريدة وأبيها لإعطاء خلفية حقيقية لكيفية تربية المصور ابنته وهند صبرى فى العمل لعبت دور الفتاة المصرية ذات الرؤية المختلفة تحمل كاميرا وتعشق الموضة والثقافة. وبالطبع هناك العديد من نقاط الاختلاف بين الرواية والمسلسل ومنها شخصية سالى، فالشخصية المكتوبة فى الرواية فنانة طموحة جدا تفعل أى شىء مقابل تحقيق طموحها ولا تملك أى معايير أخلاقية وليس لديها أى علاقة مع بطل الرواية أحمد كمال والذى أصبح المصورة فريدة فى المسلسل وهناك شخصية الصحفى علاء. الذى يقتل فى نهاية المسلسل، كما جاء فى نهاية نص الرواية، عقابا على نشره لوثائق سرية تفضح فساد كبار رجال الدولة، وقد قتل عن طريق تفجير أنبوبة غاز بشقته ولكن فى المسلسل يقتل فى الشارع بهدوء وبحرفنة رجل أمن الدولة ليسقط وسط الشارع وعلاء وسالى شخصيتان تم طرحهما بشكل مختلف عن الرواية لخدمة الأحداث. و استطاع المخرج خلق دراما معتمدة على الأكشن ذى البعد الإنسانى مستعرضا تفاصيل الفساد السياسى والاجتماعى والطبى وتكاد تكون الشخصيات نعرفها وسمعنا عن فضائحها فى السنوات الماضية، مع الاقتراب من التشدد الدينى المنتشر فى الآونة الأخيرة والمعتمد على المظهر دون الجوهر، إلى جانب فساد الأقلام فى بلاط صاحبة الجلالة وتحالف أسماء صحفية فى عالم المعارضة مع النظام وكأنهم يعزفون لحناً شاذاً فى عالم الكذب وخراب الذمم. إننا أمام علاقات متشابكة ومتداخلة من الخير والشر والكراهية والحب والصداقة.. إننا أمام ضابط أمن الدولة الذى غسلوا عقله وأماتوا ضميره ليصبح أداة لقتل الأبرياء بحجة مصلحة الوطن العليا تلك الجملة التى يرددها معلمه له وكلاهما يدفع الثمن من عمره. ففى عالم الغابة لا مجال للخطأ ولا أخلاقيات فى المهنة بإزهاق الأرواح بغير حق. وأعتقد أنه إلى جانب نجاح السيناريست فى رسم شخصية رجل رئاسة الجمهورية المحرك لمافيا الفساد كان المخرج موفقا فى اختيار عادل هاشم للقيام بالدور الذى أشتم فيه رائحة زكريا عزمى الذى كان يتكلم فى مجلس الشعب عن أن الفساد أصبح للركب بينما هو المايسترو. إننى شعرت بنبض الطبقة المتوسطة فى مصر من خلال أداء هند صبرى لدور «فريدة» مع مجموعة الأبطال المشاركين فى العمل, وقد فازت على جميع ممثلى دراما رمضان بأدائها السهل الممتنع مع التواجد المميز والمختلف لسلوى خطاب.ومحمد الشقنقيرى فى دور رجل الأعمال. ومع استمتاعى بهذا العمل الذى يؤكد أن الأعمال المأخوذة عن نصوص أدبية لها مذاقها المختلف ولكننى أرى أن الإصرار على أن يكون المسلسل 30 حلقة جعل هناك قدراً من الترهل فى بعض الحلقات والدخول فى تفاصيل يمكن الاستغناء عنها.