من هانت عليه نفسه تراه على الناس أهون، طالما أن كرامة الصحافة هانت على أهلها، فلا لوم على شركة «فودافون» أو غيرها أن تتمادى فى إهانة الصحافة والصحفيين، وتتباهى بخطئها فى حقهم بإعلان يذاع عشرات المرات يوميا، كأن الشركة تستلذ وتستمتع بتكرار الإهانة، ولماذا لا تفعل ذلك وأغلب الصحف الكبيرة والصغيرة تقف على باب صراف الشركة كل أول شهر تنتظر نصيبها من الكحكة الإعلانية، وهنا مربط الفرس، وهذا هو مكمن القوة والعجرفة والتعالى الذى تمارسه الشركة على الصحافة والصحفيين، وترفض سحب الإعلان المسىء إلى مهنة الصحافة الصفراء والبيضاء والحمراء والخضراء وكل ألوان الطيف الصحفى. فالشركة واثقة من أن إدارات الصحف، حرصها على الإعلان أكبر من حرصها على المهنة، وأن صحف «الأهرام، والأخبار، والجمهورية، والمصرى اليوم» وغيرها من الصحف المستقلة تُعلى رغبة المعلن وطلباته على قواعد المهنة وأخلاقياتها، من هنا لم تكتب هذه الصحف كلمة أو تنظم حملة لمواجهة هذا الإعلان المسىء إلى المهنة، بلا ثمن أو قضية أو هدف، بل إن الإعلان لم يراع الاعتبارات الأخلاقية فى عدم إهانة أى فئة أو طائفة أو إثارة الفتنة وكلها أخطاء حملها الإعلان، حيث جاءت كلمات الخطيب لتسىء إلى الصحافة والأطباء ووكلاء اللاعبين ولاعبى الكرة الذين لم تشملهم قائمة هانى رمزى فى الأوليمبياد. وبينما صمتت الصحف عن الخطأ المهنى والأخلاقى والأدبى الذى وقع فيه إعلان «فودافون»، راحت تهلل وتكبر لخطاب الاعتذار الوهمى الذى أصدرته الشركة وحمل إساءة أكثر من اعتذار (بالإشارة إلى إعلان الشركة الخاص بالمنتخب الأوليمبى، الذى اعتبر بعض السادة الصحفيين أن به ما يشير إلى إساءة للصحافة، تؤكد «فودافون» احترامها الكامل للسادة الصحفيين والإعلاميين ومعرفتها وتقديرها لدور الإعلام فى بناء وتقدم المجتمع المصرى. ونؤكد أن ما تقدمت به شركة الإعلانات الخاصة ب«فودافون» وتم عرضه على الشركة كانت فكرته هو دعوة اللاعبين لعدم الالتفات للشائعات من خلال الصحافة الصفراء التى تسىء إلى السادة الإعلاميين والمجتمع على حد سواء، والتركيز على تحقيق هدفهم فى المشاركة المشرفة فى الأوليمبياد القادمة. وحرصا من إدارة الشركة على علاقتها الطيبة مع السادة الصحفيين والإعلاميين وتقديرنا لرسالتهم الهامة واحتراما لعملائنا جميعا، كان لزاما علينا التوضيح. وقد توجهت «فودافون» للشركة الإعلانية الخاصة بها لاتخاذ اللازم نحو تعديل هذا الإعلان فى خلال 48 ساعة. وأخيرا نتوجه على وجه الخصوص بالشكر والتقدير للإعلام الرياضى ودوره المتميز فى دعم وتشجيع منتخباتنا الوطنية». والبيان لا يحمل اعتذارا بقدر ما هو تطييب خاطر لا يصون كرامة ولا يرد اعتبارا، فالشركة ترى أن الإساءة لا يعترف بها جموع الصحفيين، بل بعضهم فقط هم من يرون أن فى جملة (اللى بيتعبوا علشان تفشل أكتر ما بيتعبوا علشان ينجحوا) إساءة إلى الصحفيين، أما الباقى فمبسوطين وراضيين وبيحبوا الشركة وبيستمتعوا بإهانتهم، ثم تواصل الشركة إهانتها للصحافة عندما تؤكد فى البيان أنها لم تكن تقصد الصحافة الحلوة المسالمة اللى بتنشر إعلاناتها، بل تقصد الصحافة الصفراء قليلة الأدب اللى بتهين الناس وبترميهم بالباطل، وهنا على الشركة أن تفهم نقطتين مهمتين: أولا: ليست شركة «فودافون» أو غيرها هى التى ستصنف الصحافة وتحدد ما الحمراء والخضراء والبرتقالى، وعليها -إذا كانت شركة محترفة فى الإدارة- أن تلتزم بحدود عملها وتجتهد فى إيجاد رسالة لا تعادى أى فئة فى المجتمع. ثانيا: القول إن الصحافة الصفراء هى التى كانت تنشر الشائعات والأخبار الملفقة عن لاعبى المنتخب الأوليمبى كلام يمس طابورا طويلا من الصحف القومية والخاصة، نشرت أخبار فضائح المنتخب وأغلبها لم يسع لنشر الأخبار، بل كلها كانت رسمية، فمثلا عندما يحقق مع إدارى المنتخب ويقول فى التحقيقات التى جرت أمام المستشار القانونى للاتحاد عن فضائح نسائية فى المعسكرات، أو عندما يقوم عماد البنانى بإحالة المدير الإدارى للمنتخب الأوليمبى إلى النيابة لوجود مخالفات مالية وتزوير، فالكتابة هنا ليست من قبيل الصحافة الصفراء، وعندما يقرر اتحاد الكرة استبعاد ثلاثة من جهاز المنتخب الأوليمبى لمخالفات فاضحة، فإن الصحافة التى نشرت ليس لها ذنب حتى تتهمها شركة «فودافون» بأنها صفراء. وعن نفسى كنت مستعدا لأن أتفهم ما تقوله الشركة من قبيل حسن النية، ولكن ما فعلته يؤكد سوء النية والتربص بإهانة الصحفيين والأطباء، حيث ادعت أنها ستعدل الإعلان خلال 48 ساعة، ولكنها لم تفعل وتواظب على بثه بشكل منتظم لتؤكد رسالتها المهمة وهى النَّيْل من كرامة الصحافة والصحفيين!