اتصل بى قيادى فى جماعة الإخوان المسلمين وفى صوته حزن واشمئزاز وانزعاج، وقال لى: تخيل وصلت بهم البجاحة إلى درجة أنهم جهزوا ملفاً يتهمون فيه الإخوان بأنهم «الطرف الثالث». لم يفاجئنى الكلام، فقد توقعته، وحذرت منه. وكان هذا القيادى بنفسه حاضراً ذات يوم اجتماعاً للجمعية الوطنية للتغيير فى شهر ديسمبر الفائت حين قلت له: يجب على المهندس خيرت الشاطر أن يفهم أنه ليس أذكى من أجهزة الأمن والمخابرات. لا تبتعدوا عن الجماعة الوطنية، لا مستقبل لكم إلا إذا انفتحتم على الناس، لا تلهثوا وراء المكاسب الصغيرة العابرة، إن استمر ابتعادكم عن القوى الثورية، واستغلالكم فى ضربها، سيأتى اليوم الذى يضربونكم فيه. ظنى أن «أمن الدولة» تغير اسمه ولم يتغير فعله ولا مهمته، ورغم أنكم أغلبية البرلمان فإنكم لا تزالون فى نظرهم «الجماعة المحظورة». قبلها كنت قد كتبت مقالاً عنوانه «الإخوان وغزوة أحد» ذكرتهم فيه بتعجل بعض المسلمين النصر وجريهم وراء الغنائم فانهزموا وعاتبهم الله تعالى. وبعدها كتبت مقالاً بعنوان: «الإخوان والثور الأبيض» ذكرتهم فيه بالقصة الشهيرة للأسد الذى فرق بين الثيران الثلاثة حتى أكلهم جميعاً. بغض النظر عن الاختلاف الفكرى والسياسى العميق مع الإخوان، ورغم ضلوعهم فى سلوكيات وتصرفات مفرطة فى الأنانية والانغلاق والتعجل، وسقوطهم فى أوهام وأباطيل حول وصولهم إلى «التمكن»، ورغم تخليهم أحياناً عن القوى الثورية واستخدامهم فى تشويهها، فإنه لا يمكن لضمير مستيقظ وعقل نابه وفؤاد به مثقال ذرة من وطنية أن يذهب فى غيه وخصومته وشماتته إلى درجة التصديق أو الترويج لاتهام الإخوان بأنهم «الطرف الثالث»، فهذه فضلاً عن كونها كذبة وفرية فهى فى الوقت نفسه تمهيد لتصفية الثوار، بتوزيع الاتهامات الباطلة عليهم، بلا رادع من ضمير ولا وازع من إيمان ولا دافع من حب للحق والحقيقة. إن إمكانات الدولة العميقة لم تنم، بل كمنت فى مكانها بعض الوقت، وها هى تصحو لتضرب فى كل الاتجاهات، مستخدمة ما لديها فى شتى المؤسسات، الأمنية والبيروقراطية والعدلية والإعلامية، على مشارف جولة الإعادة فى انتخابات الرئاسة، التى يعتبرونها الجسر الذى يعودون منه للتحكم فى رقابنا ومستقبلنا والدفاع عن الاستبداد والتستر على الفساد. وهؤلاء أنفسهم هم الذين سيقولون، إن سكتنا عليهم الآن، إن الثورة كانت مؤامرة أجنبية، وإن الثوار عملاء، وإنهم هم الشرفاء الغيورون على الوطن، ولن يجدوا صعوبة فى تضليل الناس وتقديم الصور المزيفة والكلمات الملفقة لتنطلى عليهم بعد الحرب النفسية الضروس التى شنوها ليفصلوا الطليعة الثورية عن القاعدة الشعبية. لا بد للقوى الثورية أن تتضافر فى هذه اللحظة العصيبة، متعظة مما جرى، لتستعيد زمام المبادرة، وتفضح كل هذا المكر أمام الشعب، الذى لا نشك فى فطرته، وقدرته على أن يميز الخبيث من الطيب.