لا أقصد بلقب المهندس خيرت الشاطر الذى قلب الحياة السياسية فى مصر رأسا على عقب بقرار ترشحه لرئاسة الجمهورية قبل أيام. المهندس الذى أقصده هو ذلك الرجل أو مجموعة الرجال الجالسين خلف الكواليس ويحركون المشهد السياسى المصرى وكأنه مسرح للعرائس المتحركة.
فى يوم السبت 17 سبتمبر الماضى كتبت فى هذا المكان مقالا بعنوان «تحية إلى المهندس» أتحدث فيه عن «المهندس الجهنمى» الذى جعل جزءا كبيرا من الشعب المصرى يؤيد إعادة تفعيل قانون الطوارئ عقب اقتحام السفارة الإسرائيلية وشيوع حالة من الانفلات الأمنى غير المسبوق.
اليوم أجد نفسى مدفوعا إلى نفس الفكرة لأنها تتكرر «كربونيا» لكن فى قضية انتخابات الرئاسية.
هذا المهندس القابع خلف الستار تركنا نحن معشر الإعلاميين نتسلى بقصص أكثر من 1250 شخصا سحبوا أوراق ترشح لرئاسة الجمهورية.
انشغل الإعلام فى صفحاته الأولى وشغل كل الرأى العام بالرجل الذى ذهب إلى قصر الأندلس مرتديا «الشبشب» أو الذى دخله ومعه مطواة أو لفافة بانجو أو السيدة التى يئست من زحام المرور فقررت أن تستريح فى اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية وترشح نفسها.
معظم الكتاب والمعلقين انشغلوا بالمظاهر السطحية فى حين أن «المهندس» كان يجهز المسرح للقنابل الحقيقية.
وبطبيعة الحال فما اجتمع مواطنان إلا وكان سؤال: «من تنتخب رئيسا؟» ثالثهما.. هذا يقول له أبوالفتوح والثانى يرد عمرو موسى والثالث يحب حمدين صباحى ورابع متحمس لأبوإسماعيل وخامس لسليم العوا وسادس لخالد على.
لم يكن معظمنا يعرف أن جزءا كبيرا من الأسماء التى تم تداولها للرئاسة ستخرج من السباق أو هى فى طريقها للخروج.
المهندس كان يجلس فى غرفته المظلمة يدخن السيجار وأمامه الأوراق والملفات والبيانات الخاصة بكل مرشح، كان يتسلى بحكاوى الإعلام فى حين أن بعض الأوراق المؤكدة من مصلحة الوزارات أو تسريبات من القنصليات والسفارات بالخارج تقول إن س أو ص لن يصلح لأن جنسية احد والديه أجنبية فرحوا بها فى الماضى، لكنها ستكلفهم كثيرا فى المستقبل.
ما يحدث الآن يذكرنا بترزية القانون الذين اعتمد عليهم الرئيس الأسبق أنور السادات وكذلك حسنى مبارك فى بدايات عهده.. يبدو أن المهندس الجديد قد بدأ يستعين بتلاميذهم ليفصلوا له ما يريد.
المشهد العبثى الذى نعيشه يقول لنا بوضوح إن الكلام عن عدم وجود أجهزة الأمن السرية غير صحيح.. ما نراه الآن من تسريبات وتلميحات يقول بوضوح إن بعضها يعمل أو بدأ يستعيد عافيته لأنها بدأت تنبش وتنقب فى الملفات والاضابير القديمة.
المشهد الحالى يقول أيضا إن الدولة البيروقراطية لاتزال قوية فى مصر، وكل ما تعرضت له مجرد إصابات فى قشرة الجسد وليس العظم أو العصب.
الأيام المقبلة ستشهد مزيدا من مفاجآت المهندس الذى بدأ «يسلطن ويبدع» وكل يوم يخرج لنا «فيل جديد من المنديل».
شكرا لكل الكومبارس الذين لعبوا أدوارهم بمهارة فى لعبة الرئاسة، ذهبوا إلى قصر الأندلس بطريق صلاح سلام وسحبوا أوراق الترشيح وساهموا فى ارباك حركة السير المرتبكة اصلا، ثم بدأت شموسهم تأفل مفسحين الطريق أمام نجم كى يسطع ليقبل البطلة فى نهاية المشهد أو حتى يخطفها او حتى «يغتصبها»، وبعدها يتم إسدال الستار كى نبدأ فى مسرحية جديدة.
لكن السؤال الجوهرى يظل مطروحا: هل يضمن المنتج والمخرج والمؤلف وبقية فريق الممثلين أن يظل المتفرجون صامتين فى مقاعدهم؟!.