بعد أن سافر إلى إحدى الدول العربية، أتت الرياح بما تشتهى السفن، وتحققت أحلامه فى منزل حديث يقيم فيه - شأنه شأن الكثير من أبناء الصعيد البسطاء - بقرية المساعيد التابعة لمركز العسيرات، وكان فى حسابه آلاف الجنيهات، فأشار عليه أحد أقاربه بالاتجاه إلى القاهرة ليستثمر تلك الأموال كما فعل أقاربه من قبل، وقبل النصيحة واتجه إلى منطقة المرج، وترك كل ما يعطله عن تحقيق أهدافه بل نسى قريته ومن فيها، حتى «دعاء» ابنة خاله وفتاة أحلامه أيضاً لم يعد يذكرها أو يتذكرها. لم يمر عام حتى نال «عبدالناصر» مآربه، فقد نجحت مشروعاته وتضاعفت أمواله، وذاع صيته فى المنطقة وتطلعت إليه عيون الفتيات، ولكن «هند» كانت الفائزة، فقد اهتمت به بطريقة لم يتعود عليها من قبل بعد أن لفتت انتباهه بالاستحياء أثناء الكلام أو أثناء المشى - كعادة بنات الصعيد - فسارع يطلب يدها، وما هى إلا أيام حتى تم الزفاف فى أكبر صالات الأفراح ومشاركة بلدياته بالمنطقة الذين ظلوا يتراقصون على أنغام المزمار البلدى حتى الصباح. شهور مضت وعادت إليه الرياح ولكن فى هذه المرة بما لا تشتهى السفن، فقد بدأت مشاريعه فى الخسارة، فقرر أن يعود إلى سوهاج، وأقام فى المنزل الذى كان قد بناه من قبل أن يسافر إلى القاهرة، ورزقه الله بطفلتين «راندا» و«شيماء»، ولكن زوجته ظهرت على حقيقتها وزادت طلباتها يوماً بعد يوم، فكاد أن يستدين لولا أن قرر السفر مرة أخرى إلى إحدى دول النفط، وبعد عام رجع ومعه ما يسر الأنفس، وحاولت زوجته أن تقنعه بالعودة مرة أخرى إلى القاهرة ولكنه لم يوافق، واستعاد ذكرياته مع نفسه، وشاهد دعاء التى تخرجت فى الجامعة وأصبحت عروسا يتطلع إليها أبناء القرية المثقفون، خاصة بعد أن عملت معلمة بمدرسة بالقرية. راودته أحلامه بفكرة الزواج من ابنة خاله، رغم أنف الزوجة الأولى التى هددته بترك المنزل ولكنه أصر على موقفه، خاصة أن منزله يتسع لأكثر من زوجة، فرضخت زوجته الأولى لفكرة الزواج الثانى، ويبدو أن أمراً ما قد أضمرته فى نفسها، وتظاهرت بأنها ليس لديها مانع طالما سيوفر لها ولابنتيها عيشة كريمة، فتقدم لخطبة دعاء وما هى إلا أسابيع حتى تزوجا، وجعل لكل زوجة منهما شقة فى المنزل. مضى شهران على زواجه الثانى والأمور كانت على ما يرام، وفى يوم توجه إلى منزل خاله لقضاء بعض الوقت، وبعد عودته سأل عن زوجته الثانية فأخبرته الأولى بأنها هربت من المنزل بعد أن سرقت مصوغاتها الذهبية، فراح يبحث عنها فى كل منازل أقاربها وأقاربه ولكن حل الليل دون أن تعود دعاء، فذهب إلى مركز شرطة العسيرات ليحرر لها محضر غياب، ليعفى نفسه من المسئولية فى حالة إن كان قد حدث لها مكروه لا قدر الله. لم يكتف بتحرير محضر غياب، بل ذهب يبحث عنها فى كل مكان يدور بخلده أن تذهب إليه، ولأن المصائب لا تأتى فرادى فقد لقى الزوج مصرعه فى حادث سيارة بعد شهرين من غياب زوجته، فقام والده بتحمل المسئولية بعد وفاة ابنه وأخذ على عاتقه كفالة زوجته وابنتيه، وذات ليلة طلب من حفيدته الصغيرة شيماء شراء شاى وسكر من أحد المحلات المجاورة للمنزل، ولكن الصغيرة أخبرته بأنها لا تستطيع الخروج من المنزل خوفا من العفاريت، وعندما حاول جاهداً أن يزيل تلك الأساطير من عقلها أخبرته بأن أمها ضربت دعاء على رأسها بماسورة فسقطت على الأرض وطلبت منها ومن أختها مساعدتها فى دفنها فى حوش المنزل. كاد الجد أن يجن جنونه ولم يصدق ما سمع، فتوجه على الفور إلى اللواء إبراهيم صابر مدير أمن سوهاج ليقدم بلاغاً بالواقعة التى مر عليها أكثر من سبعة شهور، وأخطرت النيابة العامة التى أمرت بضبط وإحضار الزوجة الأولى وإعادة استجوابها وتكليف المباحث بالتحرى عن الواقعة، فتم تشكيل فريق بحث بإشراف العميد حسين حامد مدير مباحث سوهاج وقيادة العميد عصمت أبورحمة رئيس المباحث، وتبين أن الزوجة الأولى هند يسرى 38 سنة ربة منزل قامت بقتل ضرتها دعاء السيد 28 سنة، مدرسة، بحديدة على رأسها واستعانت بابنتيها فى دفنها وهددتهما بقتلهما لو أخبرا أحداً بذلك. تم القبض على الزوجة المتهمة وابنتيها واعترفا بجريمتهن تفصيلياً، وأرشدا عن مكان الجثة المدفونة، وقمن بتمثيل الجريمة أمام النيابة العامة، فأمرت بحبس الزوجة على ذمة التحقيق وإيداع البنتين فى دار رعاية الأحداث، وأحالهن المستشار معتز بريرى المحامى العام لنيابات جنوبسوهاج إلى محكمة جنايات سوهاج فقضت بمعاقبة الزوجة بالإعدام شنقاً، ثم تقدم دفاعها بمذكرة للطعن على أمام محكمة النقض التى رأت فساداً فى الاستدلال وقصوراً فى التسبيب وإخلالاً بحق الدفاع مما يوجب نقض الحكم وإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى برئاسة المستشار عبدالفتاح الصغير وعضوية المستشارين محمد عبدالمالك وشريف القاضى بأمانة سر محمود عبدالعال وعادل حسين، فحددت الدائرة الجديدة يوم الحادى عشر من يناير القادم لنظر القضية.