مشاهد يرويها حسن الهتهوتي: اخبار ميدان رابعه العدويه لم أكن مكلفًا بتغطية صحفية لاعتصامات أنصار الرئيس السابق محمد مرسي، لكن قادني الفضول إلى الذهاب لميدان رابعة العدوية، لمعرفة كيف تدور الحياة هناك، ولكي أفصل بين أقاويل تتهمهم بالعنف وتُصورهم كأشباح، وأخرى تُدافع عنهم. في بداية طريقي نحو ميدان "رابعة العدوية" كنت محملاً بصورة ذهنية سيئة عنهم، نتيجة ما رُصد من عنف من قبل مؤيدي الرئيس السابق في ميدان النهضة، وطال زملاء صحفيين، كانوا يقومون بأداء واجبهم في تغطية الأحداث، لكن حاولت نسيانها، لأبدأ معهم معايشة، اتمكن من خلالها في الوصول لحقيقة ما يجري في اعتصام أنصار "مرسي". السيسي وأمريكا عند استقلالي سيارة مُتجهة من منطقة العباسية في طريقها للميدان، وجدت معي 3أشخاص من مؤيدي "مرسي" ودار حديث بيننا، وبدا عليهم الغضب الشديد من الفريق عبد الفتاح السيسي، القائد العام للقوات المسلحة، مؤكدين أن ما فعله كان باتفاق مع الولاياتالمتحدة، وأشاروا إلى أن لقاء جمع "السيسي" بالسفيرة الأمريكية ، السبت. البرادعي "هيعبدوا الأصنام" مؤيدو مرسي ، أعربوا عن انزعاجهم من معلومات ترددت، السبت، بشأن اقتراب الدكتور محمد البرادعي من تشكيل الحكومة الجديدة، وسمعت عبارات سخرية، من بينها "هيخلي كل مواطن يبقالوا تمثال يعبدوا". ثكنة عسكرية قبل وصولنا بدقائق، شاهدت عدد كبير من مدرعات الجيش تقف صفاً واحداً في أحد الشوارع الجانبية.. عددها تخطى ال 100دبابة، وكأنه استعداد لحرب، مما زادني شوقاً لرؤية هؤلاء المعتصمين الذين وقفت كل هذه القوات تحسباً منهم. تفتيش ذاتي.. ولجان التأمين دقائق معدودة، وأعلنت السيارة وصولنا إلى مكان الاعتصام.. ها هي رابعة العدوية.. أعداد كبيرة، وألعاب نارية في السماء.. كان المشهد الأول لي، ترجلت إلى مقر الاعتصام فشاهدت صفاً من لجان التأمين، طلب مني أحدهم إبراز الهوية الشخصية، وكان له ما طلب، دون إخباره بعملي الصحفي، لعلمي المسبق بعدائهم للصحفيين، نظراً لما يرون أنه تجاهل لهم، مقارنة بمتظاهري التحرير، ولم تكتفي تلك اللجان برؤية الهوية الشخصية، وتم تفتيشنا تفتيشاً ذاتياً دقيقاً ، قبل أن يسمح لنا بالدخول، وهو اجراء رأيته مع جميع المترددين على الاعتصام. عصي وخوذ بعد السماح لي بالدخول، شاهدت خلف صفوف لجان التأمين، كمية كبيرة من العصي والخوذ، مُلقاه داخل خيمة، ولم يتبين إذا ما كانت خاصة بأحد، أم أنها متروكة للمعتصمين ، لاستخدامها عند الضرورة. الشرعية بعدها بخطوات، وجدت أشخاص يكتبون عبارات بالحجارة وزجاجات المياه الغازية، كان أبرزها كلمة "الشرعية"، وخطاطين يقومون بكتابة عبارات عن نفس الشأن. دروس دينية وأثناء طريقي نحو المنصة، رأيت تجمهر ، فاقتربت منه لأعرف سببه، فشاهدت شاب في العقد الثالث من عمره، يقوم بإلقاء الدروس الدينية على المعتصمين، الذين التزموا الصمت وانتشروا حوله ، للسماع إليه. باعة جائلون في كل خطوة كنت أخطوها في الطريق المزدحم بالمعتصمين نحو المنصة، كنت أشاهد الباعة الجائلين ينتشرون في كل مكان، فأحدهم يبيع مأكولات، وأخر يبع فاكهة، وثالث يعرض العطور والسواك، ورابع يحمل المياه المعدنية المثلجة، وكانت هناك سيارة ربع نقل تحمل خزان كبير من المياه، وقف عليه شابان متطوعان لإمداد المعتصمين بالمياه. ظهور صفوت حجازي بعد دقائق من السير، اقتربت من المنصة، وكان الآلاف يُحيطون بها، وسط هتافات مطالبة بعودة الرئيس السابق محمد مرسي، وأنهم يريدون الاطمئنان عليه، وأثناء الهتافات، أعلنت المنصة عن كلمة للداعية صفوت حجازي، والذي ظهر وسط تصفيق المعتصمين، وبدأ كلمته قائلا إن وسائل إعلام نشرت خبراً عن سفره وعائلته لتركيا، وقدم جميع أفراد عائلته على المنصة (بناته الثلاث، وابنه) ورفضت زوجته الوقوف على المنصة لأنها منتقبة، على حد قوله. ابنته: "مش هندخلك البيت" وقف حجازي وأبناؤه على المنصة يهتفون بعودة مرسي، ووجهت ابنته كلمة لأبيها، قائلة له "لانريدك أن تدخل البيت إلا بعد أن تأتي لنا بالرئيس"، ثم داعب "حجازي" المعتصمين، قائلاً إنه وجميع القيادات موجودين بالاعتصام، ولم يغادرونه، "وأرتدي نفس الملابس منذ أسبوع، لكن أعدكم أن أذهب للاستحمام وتغيير ملابسي". باقون بينكم وأكد حجازي أنه باق بجوار المعتصمين، مطالبهم بعدم التأثر بالشائعات التي تقول إن الشباب معتصمين، بينما قياداتهم تركتهم وغادرت البلاد، مشيراً إلى أنهم جميعاً باقون في الاعتصام، ولفت إلى أن هناك من يدعوهم للجلوس والتفاوض، وأنهم يرفضون ذلك ، وأنهم في ثورة، كما كانت ثورة 25يناير. أحذروا التفرقة انتهت كلمت حجازي وصعد شاب إلى المنصة، فألقى قصيدة، حذر فيها من التفرقة بين أبناء الوطن، والعودة إلى الفوضى، ثم قاموا بتشغيل أغاني تؤكد على الوحدة بين المصريين "مسلمين ومسيحيين وليبراليين وعلمانيين"، وأعقبها سيدة تحدثت عن الظلم الذي تعرضت له هي وزوجها من قبل النائب العام السابق عبد المجيد محمود، وحملت مجسم للسيدة مريم العذراء ، قالت إنه وصلها كهدية من طفل قبطي، وقالت إن السيدة العذراء تبكي لحالنا. نصائح سيدات "رابعة" وصعدت سيدة أخرى، عرفت نفسها على أنها من ثوار ماسبيرو، وأنها تصدت للإعلام الفاسد على حد تعبيرها ومازالت، مطالبة بالوقوف صفاً واحداً من أجل التصدي للفاسدين من الإعلاميين، ثم تلتها سيدة رابعة، قالوا إنها استاذة بكلية الطب في جامعة القاهرة، وكانت تُقدم لهم الوعظ من خلال خطبة عن سيرة النبي محمد، وبعدها مجموعة من مشايخ الأزهر، وأعلنوا تأييدهم ل"مرسي" مطالبين الشباب بالثقة بالنفس، وعدم مغادرة الاعتصام. المشاهد الأخيرة صورة لمرسي فوق مأذنة المسجد، وأخرى في أعمدة خاصة بشبكة تقوية الهواتف المحمولة.. كاميرات تلفزيونية، خاصة بقنوات محدودة تنقل الحدث، موجودة في أماكن مرتفعة.. شكاوى أهالي ميدان رابعة العدوية من أشعة الليزر التي يستخدمها المعتصمون، وتدخل بيوتهم.. السيدات يقفن في مجموعات، دون أن يقترب منهن أحد.. ابتسامة تعلوا الوجوه في التعامل مع بعضهم البعض.. تلك كانت أهم المشاهد التي رأيناها في "رابعة العدوية" قبل أن تركهم في اعتصامهم، ونعود من حيث أتينا.