اقتربنا إلى حدٍّ كبير من الشكل النهائي للبرلمان المصري في دورته الجديدة، هذا البرلمان الذي صاحبت مرحلة الاقتراع الأولى منه لغطًا كبيرًا، وهو ما دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى التوجيه بالتصدي لأي خروقات تشهدها العملية الانتخابية، حتى تعبر النتائج النهائية عن تطلعات عموم الشعب المصري، وهو ما دعا الهيئة الوطنية للانتخابات إلى اتخاذ كافة الاجراءات التي من شأنها مواجهة أي عوار في العملية الانتخابية، إلا أنه لا يزال هناك من يحاول إيقاف عجلة الزمن عند «محطة الجدل»، رغم تجاوز قطار البرلمان لهذه المحطة واقترابه من الوصول إلى وجهته النهائية. وهنا يجب أن نفرق بوضوح بين محاولات ترميم أي تصدعات شابت العملية الانتخابية حتى يكتمل بناء البرلمان، وبين السعي نحو عرقلة المسيرة والعودة بعجلة الزمن إلى محطة «الفراغ التشريعي». ومن المعلوم للجميع أن الفراغ التشريعي يمثل خطرًا حقيقيًا على استقرار الدول بشكل عام، وعلى مصر بشكل خاص، في ظل ما تعانيه من اضطرابات إقليمية تحيط بنا من كل جانب، فضلًا عن التحديات الداخلية التي قد تستغلها بعض الجهات من الداخل والخارج. والأهم من ذلك، أنه لا توجد أسباب جوهرية تدعونا إلى اتخاذ قرارات استثنائية تبعث برسائل سلبية للداخل والخارج. ومن المؤسف أن البعض يتخذ من التجاوزات التي شهدتها العملية الانتخابية وسيلة لتحقيق مآرب خبيثة، ويروجون في طريقهم إلى طرح بعض السيناريوهات المخالفة للدستور، منها على سبيل المثال مد عمر المجلس الحالي لمدة عام إضافي، رغم أنه وفقًا للدستور المصري (دستور 2014 المعدل 2019) لا يوجد نص يسمح بمد عمر مجلس النواب لمدة عام أو أكثر في حال بطلان الانتخابات أو عدم اكتمالها، وقد حسم الدستور هذه المسألة بشكل واضح، حيث نصت المادة (156) على أنه إذا حدث في غير دور انعقاد مجلس النواب ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، يدعو رئيس الجمهورية المجلس لانعقاد طارئ لعرض الأمر عليه، وإذا كان مجلس النواب غير قائم، يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين، على أن تُعرض وتناقش ويُوافق عليها خلال خمسة عشر يومًا من انعقاد المجلس الجديد، فإذا لم تُعرض وتُناقش، أو إذا عُرضت ولم يُقرها المجلس، زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة، أو تسوية ما ترتب عليها من آثار). والشاهد في الأمر أن الدولة المصرية في غنى عن الانزلاق إلى مثل هذه السيناريوهات المربكة، خصوصاً في ظل حالة التربص الإقليمي والدولي التي تواجهها مصر، فقد يستغل البعض أي فراغ تشريعي، ولو مؤقتاً ، لتأليب الرأي العام العالمي ضد الدولة المصرية، والتشكيك في استقرار مؤسساتها وقدرتها على إدارة شؤونها الدستورية، فالبرلمان ليس مجرد مؤسسة تشريعية تُسن القوانين فحسب، بل هو ركيزة أساسية في منظومة التوازن بين السلطات، وضمانة دستورية لاستمرار الدولة وفق مسارها الطبيعي. وغياب هذه الركيزة، أو إرباكها عمدًا، يفتح الباب واسعًا أمام حملات التشويه الخارجية، ويمنح خصوم الدولة ذريعة للطعن في شرعية المسار السياسي برمته. كما أن العودة إلى سيناريو الفراغ التشريعي تعني عمليًا تحميل السلطة التنفيذية أعباءً استثنائية، في توقيت لا يحتمل مزيدًا من الضغوط، في ظل تحديات اقتصادية وأمنية تتطلب تضافر جهود جميع مؤسسات الدولة، لا إرباكها. ومن ثم، فإن حماية المسار الدستوري، واستكمال بناء البرلمان، ومعالجة أوجه القصور عبر الأطر القانونية المتاحة، هو الخيار الأكثر اتزانًا وحكمة، ليس فقط حفاظًا على استقرار الداخل، بل أيضًا كرسالة طمأنة للخارج بأن الدولة المصرية ماضية في ترسيخ مؤسساتها، وأن خلافاتها تُدار داخل إطار الدستور، لا عبر القفز عليه أو الالتفاف حوله.