وزير قطاع الأعمال: الصحافة الوطنية شريك أصيل في مسيرة التنمية وبناء الوعي    محافظ الجيزة يتابع أعمال غلق لجان انتخابات مجلس النواب في اليوم الأول لجولة الإعادة    الإسكان: التقنين على رأس أولويات المرحلة الحالية لحماية أراضي الدولة    رئيسة المفوضية الأوروبية: نرحب بجهود تحقيق السلام فيما يخص النزاع الأوكراني    فرنسا ترحب باتفاق وقف إطلاق النار بين تايلاند وكمبوديا    نيجيريا تتفوق على تونس بهدف في الشوط الأول    الشباب والرياضة بالدقهلية تطلق أولى فعاليات "ها أنا أحقق ذاتي" لدعم الأيتام    إصابة 10 أشخاص فى انقلاب سيارة بطريق العلاقى بأسوان    تفاصيل لحظة وفاة داوود عبد السيد.. موعد جنازته والعزاء    مواجهة قرآنية تبهر لجنة التحكيم في «دولة التلاوة» بين محمد كامل وخالد عطية    أشرف زكي بعد واقعة ريهام عبد الغفور: نحن في بلد قانون.. والقضية لن تنتهي عند المصور    حزم بالجمارك والضرائب العقارية قريبًا لتخفيف الأعباء على المستثمرين والمواطنين    فتح المطارات للاستثمار |شراكة تشغيلية مع القطاع الخاص دون المساس بالسيادة    النصر يحطم أرقام دوري روشن بانطلاقة تاريخية بعد ثلاثية الأخدود    الأهلي يفوز على الكويت الكويتي ويتوج بالبطولة العربية لكرة الماء    بشير عبدالفتاح: إسرائيل تسعى إلى تموضع عسكرى فى صومالى لاند    سهر الصايغ وعمرو عبد الجليل يتعاقدان على «إعلام وراثة» | رمضان 2026    آية عبدالرحمن: كلية القرآن الكريم بطنطا محراب علم ونور    نيجيريا ضد تونس .. نسور قرطاج بالقوة الضاربة فى كأس أمم أفريقيا    خبيرة تكشف طرق الاختيار السليم للزواج وتوقعات الأبراج 2026    كواليس الاجتماعات السرية قبل النكسة.. قنديل: عبد الناصر حدد موعد الضربة وعامر رد بهو كان نبي؟    وزير الصحة يكرم الزميل عاطف السيد تقديرًا لدوره في تغطية ملف الشئون الصحية    الجيش السوداني يعلن استعادة السيطرة على منطقة الداكنوج بكردفان    النائب أحمد سيد: السياحة قضية أمن قومي وصناعة استراتيجية تقود الاقتصاد الوطني    الدفاعات الجوية الروسية تسقط 111 مسيرة أوكرانية خلال 3 ساعات    موجة جوية غير مستقرة بشمال سيناء تتسبب بإغلاق ميناء العريش    معهد بحوث البترول وجامعة بورسعيد يوقعان اتفاقية تعاون استراتيجية لدعم التنمية والابتكار    جهود لإنقاذ طفل سقط في بئر مياه شمالي غزة    خبير نووى: الأوروبيون فقدوا أوراق الضغط وإيران تتحرك بحرية فى ملف التخصيب    تأجيل قضية فتى الدارك ويب المتهم بقتل طفل شبرا الخيمة لجلسة 24 يناير    تعليم العاصمة تعلن انطلاق البث المباشر لمراجعات الشهادة الإعدادية    مسؤول سابق بالخارجية الأمريكية: واشنطن لن تسمح لإسرائيل بشن هجوم على إيران    ألمانيا تغلق مطار هانوفر بعد رصد مسيرات في مجاله الجوي    إقبال كثيف للناخبين للإدلاء بأصواتهم في انتخابات البرلمان بقرى مركز سوهاج    صادر له قرار هدم منذ 22 عاما.. النيابة تطلب تحريات تحطم سيارة إثر انهيار عقار بجمرك الإسكندرية    هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية برد الشتاء؟ وما كيفية ذلك ومدته؟.. الإفتاء تجيب    وزير الطاقة بجيبوتي: محطة الطاقة الشمسية في عرتا شهادة على عمق الشراكة مع مصر    يصيب بالجلطات ويُعرض القلب للخطر، جمال شعبان يحذر من التعرض للبرد الشديد    السجن 10 أعوام وغرامة 50 ألف جنيه لمتهم بحيازة مخدرات وسلاح ناري بالإسكندرية    جولة في غرفة ملابس الأهلي قبل مواجهة المصرية للاتصالات بكأس مصر    شوربة شوفان باللبن والخضار، بديل خفيف للعشاء المتأخر    بعزيمته قبل خطواته.. العم بهي الدين يتحدى العجز ويشارك في الانتخابات البرلمانية بدشنا في قنا    عمومية الطائرة تعتمد بالإجماع تعديلات لائحة النظام الأساسي وفق قانون الرياضة الجديد    الدكتور أحمد يحيى يشارك باحتفالية ميثاق التطوع ويؤكد: العمل الأهلى منظومة تنموية    الأرصاد: السحب تتشكل على جنوب الوجه البحري وتتجه للقاهرة وتوقعات بسقوط أمطار    الرقابة المالية تصدر نموذج وثيقة تأمين سند الملكية العقارية في مصر    تعذر وصول رئيس اللجنة 40 بمركز إيتاي البارود لتعرضه لحادث    افتتاح مشروعات تعليمية وخدمية في جامعة بورسعيد بتكلفة 436 مليون جنيه    27 ديسمبر 2025.. أسعار الحديد والاسمنت بالمصانع المحلية اليوم    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    موعد مباراة السنغال والكونغو الديمقراطية بأمم أفريقيا.. والقنوات الناقلة    المستشفيات الجامعية تقدم خدمات طبية ل 32 مليون مواطن خلال 2025    الصحة: فحص 9 ملايين و759 ألف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج فقدان السمع لدى حديثي الولادة    عشرات الشباب يصطفون أمام لجان دائرة الرمل في أول أيام إعادة انتخابات النواب 2025    فلافيو: الفراعنة مرشحون للقب أفريقيا وشيكوبانزا يحتاج ثقة جمهور الزمالك    زاهي حواس يرد على وسيم السيسي: كان من الممكن أتحرك قضائيا ضده    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محلل سياسي من عرب 48: غريزة البقاء توحّد الشارع العربي.. وحسابات القيادة تفرّقه
«آخر ساعة» تفتح ملف انتخابات الكنيست..
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 27 - 12 - 2025


■ كتبت: سمر صلاح الدين
في قلب المشهد السياسي الإسرائيلي الملىء بالتعقيدات والاستقطابات لم تعد انتخابات الكنيست مجرد صراع بين يمين ويسار، بل تحوّلت إلى معركة وجودية تُرسَم فيها ملامح الهوية والمستقبل. فبينما تترقّب الأوساط السياسية نتائج المخاض العسير لتشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة، سواء جرت الانتخابات في موعدها المقرر في 27 أكتوبر 2026، أو تم تبكيرها مع تزايد احتمالات حلّ الكنيست قبل الموعد في ظل تصاعد الضغوط الأمنية والسياسية الداخلية، ويبدو أن مفاتيح «القلعة» باتت في يد الأحزاب العربية، ولكن أي أحزاب؟ تلك التى مزّقتها الخلافات الأيديولوجية، أم التي اختارت الواقعية السياسية مسارًا وحيدًا؟
◄ السياسة ليست «صراخًا في الكنيست» بل قدرة على فرض المعادلة
◄ خطة نتنياهو.. منع وحدة العرب «بأي ثمن» لضمان بقاء اليمين
◄ هكذا يستخدم نتنياهو ورقة الإخوان ل«شل المعارضة»
◄ نعيش حالة طوارئ تستوجب سياسة القوة لا الصفقات التكتيكية
◄ عن «عناق الدب».. لماذا يخشى منصور عباس العودة إلى القائمة المشتركة؟
◄ العنصرية في إسرائيل تحوّلت من «الخفاء» إلى «التشريع»
من أزقة الجليل والمثلث والنقب، وبينما يخرج الصوت العربي مثقلًا بهموم الأرض والمسكن والجريمة وتصاعد اليمين المتطرف، تطل السياسة برأسها لتكشف عن فجوة تتّسع بين نخب حزبية غارقة فى صراعات التموضع، ليقف المواطن العربى الفلسطينى في الداخل أمام مفترق طرق تاريخى. فبين وحدة كانت تمنحه «ثِقَل الكتلة»، وتشرذم يفتحه على «لعبة الأرقام»، يبرز إصرار القائمة الموحدة بقيادة منصور عباس على خوض الانتخابات منفردة كحالة جدلية نضعها تحت مجهر النقد والتحليل، فهل هو اختراق براجماتى لجدار التهميش، أم مغامرة تكتيكية قد تطيح بالعمق الاستراتيجي للصوت العربي؟ وهل يمكن أن يتحوّل هذا الانقسام الداخلي من خلاف حزبى إلى ورقة رابحة فى يد معسكرات الحكم الإسرائيلية؟
أسئلة كثيرة وضعناها على طاولة النقاش مع المحامي والصحفي هاني طنوس من عرب الداخل، الذى يُعدّ من أبرز المحللين السياسيين للشأن السياسي الإسرائيلي الداخلي، وكان هذا الحوار..
◄ تشهد الساحة السياسية العربية حالة من التوتر وعدم اليقين، كيف تصفون المشهد الحالي في ظل التباين بين رغبة الشارع الفلسطيني وتوجهات القيادات العربية؟
الساحة السياسية فى المجتمع العربى فى إسرائيل تشهد حالة من الغليان غير المسبوق، تعكس أزمة عميقة فى الرؤية والمسار. فبينما يصدح «الشارع العربى» بصوت واضح وموحّد، مدفوعًا بغريزة البقاء، مطالبًا برصّ الصفوف وإعادة تأسيس «القائمة المشتركة» كدرع واقٍ وجدار صدّ أخير، تعيش القيادة السياسية العربية فى عالم موازٍ من الانقسامات الحادة حول استراتيجية العمل المثلى. وفى قلب هذا الخلاف الجوهرى يقف رئيس القائمة الموحدة «راعم»، النائب د. منصور عباس، الذى يطرح عقيدة سياسية براجماتية تختلف جوهريًا عن عقيدة شركائه السابقين، مما يضع المجتمع العربى أمام مفترق طرق تاريخى.
◄ النائب منصور عباس يرفض فكرة إعادة توحيد الأحزاب تحت مظلة واحدة، ما المبررات التي يسوقها لهذا الرفض، أو ما تسمونه «عقيدة الهروب من العقم السياسي»؟
يستند رفض منصور عباس لفكرة إعادة توحيد الأحزاب العربية إلى قراءة نقدية لتجربة الماضى، وتحديدًا ما يسميه فشل نموذج «ال15 مقعدًا»، حيث يسوق عباس حجة تاريخية عملية مفادها أن القائمة المشتركة، حتى عندما بلغت ذروة قوتها الانتخابية وحصلت على 15 مقعدًا فى الكنيست، ظلت قوة معزولة فى المعارضة، عاجزة عن ترجمة هذا الثقل العددى إلى إنجازات سياسية ملموسة أو تغيير فى السياسات الحكومية، ولم تنجح حتى فى إزاحة بنيامين نتنياهو عن الحكم. ووفقًا لمنهج عباس، فإن تكرار التجربة نفسها سيؤدى حتمًا إلى النتيجة ذاتها: تشكيل كتلة برلمانية كبيرة ولكنها «عقيمة»، تفتقر إلى أدوات الضغط الحقيقية ولا تملك القدرة على التأثير فى مركز اتخاذ القرار. ويرى عباس أن السياسة ليست لعبة «من يصرخ بصوت أعلى» فى قاعة الكنيست، بل من يجلس إلى طاولة الحكومة ويشارك فى توزيع الموارد وصياغة القرارات.
◄ اقرأ أيضًا | الخارجية السعودية: نرفض الاعتراف المتبادل بين إسرائيل وإقليم أرض الصومال
◄ هل هناك أبعاد أخرى لهذا الانفصال تتعلق بصورة القائمة المشتركة ومكوناتها أمام الرأي العام الإسرائيلي؟
يسعى عباس للهروب مما يمكن تسميته «عناق الدب» للقائمة المشتركة. فهو يدرك جيدًا الوصمة الإشكالية، وغير المبررة أحيانًا، التى أُلصقت بالمشتركة فى الإعلام الإسرائيلى ولدى الرأى العام اليهودي، حيث يُنظر إليها، خاصة بوجود مكونات مثل التجمع الوطنى الديمقراطي، كجسم «راديكالى» لا يمكن أن يشكّل شريكًا ائتلافيًا شرعيًا لأى حكومة صهيونية. ويفهم عباس أن إعادة التحالف مع الجبهة والعربية للتغيير ستصبغه مجددًا بتلك الألوان، وستفرض عليه «السقف الزجاجى» ذاته الذى يمنعه من الدخول فى الائتلافات. لذلك يسعى إلى تمايز «الموحدة» كحزب «مدنى» و«براجماتى» مستعد للانشغال بقضايا المواطن العربى اليومية والخدماتية بمعزل عن القضايا القومية الكبرى، ليبقى بذلك «مقبولًا» بنظر الكتل السياسية الساعية لتشكيل الحكومة.
◄ يكثر الحديث عن استراتيجية «بيضة القبان»، ما المنطق السياسي الذي يعتمده عباس في إصراره على خوض الانتخابات منفردًا؟
إصرار عباس على خوض الانتخابات منفردًا ينبع من طموح استراتيجى بأن يبقى «اللاعب الحر» الوحيد فى الملعب السياسى، وهو منطق «رياضى سياسى» بحت. فالمرونة والمناورة، كجزء من قائمة مشتركة، ستجعله مقيّدًا بانضباط كتلوِى صارم وخطوط حمراء أيديولوجية تمنعه من عقد صفقات سياسية. أما منفردًا، فيمكنه المناورة بين المعسكرات، حيث يزعم عباس أن الطريقة الوحيدة لإسقاط حكومة اليمين هى خلق بديل عددى، فإن انضمّ لكتلة التغيير «الوسط اليسار» بعد الانتخابات، يمكنه أن يكون «صانع الملوك» الذى يتوّج رئيس الحكومة القادم. وهذه ورقة مساومة لن يمتلكها أبدًا إذا كان جزءًا من قائمة مشتركة يتم استبعادها تلقائيًا من قبل أحزاب «اليمين الناعم» فى المعارضة، مثل ليبرمان أو بينيت أو ساعر.
◄ رغم هذه المبررات، لماذا يرى قطاع واسع من النخب العربية أن تبريرات عباس «خطيئة وجودية» وليست مجرد اجتهاد سياسي؟
رغم وجاهة الحجج البراجماتية ظاهريًا، فإن تحليل الواقع يشير إلى أن موقف عباس يعكس قراءة خاطئة وخطيرة للمشهد، ويشكّل تضليلًا للجمهور. أولًا، الرياضيات الانتخابية لا ترحم. التاريخ الانتخابى فى إسرائيل أثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن الوحدة هى الرافعة الأقوى لرفع نسب التصويت، بينما الانقسام يولّد الإحباط واليأس ويؤدى إلى عزوف الناخبين. تفتيت الصوت العربى يعنى بالضرورة ضياع عشرات الآلاف من الأصوات، إما عبر عدم تجاوز نسبة الحسم المقدرة ب3.25%، أو انخفاض المشاركة، ما يمنح هدية مجانية لكتلة اليمين ويعزّز قدرة اليمين المتطرف فى الكنيست. فقط كتلة عربية كبيرة موحّدة وغير قابلة للكسر يمكنها تغيير «قواعد اللعبة» ومنع قيام حكومات يمين ضيقة وخطيرة.
◄ هل الواقع الحالي للمجتمع العربي يسمح بمناورات تكتيكية وصفقات سياسية أم أنه يتطلب نهجًا مختلفًا؟
لا يعيش المجتمع العربى أيامًا سياسية عادية تسمح بالمناورات التكتيكية. نحن فى حالة طوارئ تستوجب أدوات مختلفة. نقف أمام خطر وجودى واضح وفورى، يبدأ من استفحال الجريمة المنظمة، مرورًا بالتشريعات العنصرية، وصولًا إلى الملاحقة السياسية. فى ظل «حريق» يلتهم البيت، لا يتم التفاوض على ترميمات أو ميزانيات، بل يجب الاتحاد لإخماد النار. نهج «الصفقات» والسياسة القديمة منفصل عن عمق الخطر الحالى، الذى يتطلب «جدارًا واقيًا» وسياسة قوة وصمود.
◄ بالانتقال إلى الجانب الآخر، كيف تقرأ التناقض فى استراتيجية نتنياهو الذى يلوّح بمشاريع قوانين لحظر أحزاب عربية أو إخراجها عن القانون، وفى الوقت ذاته يراهن على تفتيت الصوت العربى لضمان عدم وصول خصومه إلى 61 مقعدًا؟ هل يخشى نتنياهو وجود العرب فى الكنيست أم يخشى شرعيتهم ك«صانعى ملوك»؟
فى الجانب الآخر من المعادلة يقف بنيامين نتنياهو، اللاعب الأكثر دهاءً فى قراءة الأرقام. يدرك نتنياهو أن التهديد الاستراتيجى الأكبر، والوحيد تقريبًا، على استمرار حكمه هو «صحوة الصوت العربى». يشكّل العرب نحو 17% إلى 20% من أصحاب حق الاقتراع، وفى سيناريو ترتفع فيه نسب التصويت لتوازى المجتمع اليهودى، فإن هذه القوة تعادل 18 إلى 20 مقعدًا. كتلة بهذا الحجم، إذا كانت موحّدة، تمنع حسابيًا أى إمكانية لتشكيل حكومة يمين، وتفرض تغييرًا فوريًا فى النظام. لذلك، الهدف الاستراتيجى الأعلى لنتنياهو هو منع الوحدة بأى ثمن.
◄ ما التكتيكات التى يمارسها نتنياهو لتحقيق هدفه بمنع الوحدة وشلّ المعارضة؟
نتنياهو يمارس تكتيكًا مزدوجًا وماكرًا. يستخدم ورقة «الإخوان المسلمين» كسلاح يوم القيامة. يعلم أن عباس يطمح للتحالف مع المعارضة الصهيونية لإسقاطه، ولمنع ذلك يقوم نتنياهو وآلته الإعلامية ب«وصم» عباس والموحدة بتهمة دعم الإرهاب والارتباط بحركة الإخوان المسلمين العالمية. الهدف هو كى الوعى الإسرائيلى وترسيخ معادلة: «الموحدة = خطر أمنى»، وهو ما أسميه «فخ نزع الشرعية». كذلك يعمل على شلّ المعارضة الصهيونية، وتنجح هذه الاستراتيجية فى خلق شلل داخل معسكر خصوم نتنياهو. فبينما يدرك «المعسكر البراجماتى» (لبيد/العمل) حاجته للأصوات العربية، يقف «المعسكر اليمينى» فى المعارضة (ليبرمان/ساعر/بينيت) عاجزًا ومرتعبًا من التعاون مع عباس خوفًا من خسارة قاعدته اليمينية المتأثرة بدعاية نتنياهو.
◄ هناك مفارقة سياسية يصفها البعض ب«فخ العسل»، هل يسعى نتنياهو فعليًا لدفع عباس للعودة إلى القائمة المشتركة؟ ولماذا برأيك؟
هنا نصل إلى ذروة الدهاء السياسى. قد يبدو الأمر متناقضًا، لكن نتنياهو، الذى يحارب الوحدة، يمارس ضغوطًا تدفع عباس فعليًا للعودة إلى القائمة المشتركة، ولكن بشروطه هو. لماذا؟ لأن نتنياهو يدرك أنه مادام بقى عباس منفردًا، فإنه يظل يملك نظريًا إمكانية المناورة والتحالف مع لبيد وبينيت. لكن إذا نجح نتنياهو، عبر حملة الشيطنة ونزع الشرعية، فى جعل عباس «سامًا» ومنبوذًا إلى درجة لا يجرؤ معها أى حزب صهيونى على الاقتراب منه، فلن يتبقى لعباس خيار سوى العودة إلى القائمة المشتركة من أجل البقاء السياسى.
وفى اللحظة التى يعود فيها عباس إلى المشتركة، يحقق نتنياهو هدفه المزدوج: تحييد «بيضة القبان» داخل المشتركة، وصبغ عباس بألوان الأحزاب القومية (التجمع والجبهة)، ليصبح تلقائيًا خارج اللعبة الائتلافية بالنسبة لليبرمان وساعر.
فى رأيى، يفضّل نتنياهو مواجهة قائمة مشتركة كبيرة (15 مقعدًا) تجلس فى المعارضة وتصرخ دون تأثير، على مواجهة حزب عربى صغير (4 مقاعد) يجلس داخل الحكومة ويمسك بمفاتيح البقاء. القائمة المشتركة بالنسبة لنتنياهو هى «عدو مريح» يسهل التحريض ضده لتجنيد اليمين، ومن المستحيل أن يكون جزءًا من الحكومة.
◄ برأيك، هل نجحت «هندسة نتنياهو» فى تحويل التمثيل العربى من «كتلة مانعة» إلى شظايا سياسية تتصارع بين فكى «المطالب المعيشية» و«الثوابت القومية»؟
لقد نجح نتنياهو فى خلق معادلة «لا رابح فيها» للمجتمع العربى: إما أن يركض عباس منفردًا ويُسحق تحت حملة نزع الشرعية وفقدان الأصوات، أو يعود إلى المشتركة ويفقد القدرة على أن يكون جزءًا من الحكم والتأثير. المخرج الوحيد من هذا الفخ الاستراتيجى هو تبنّى الرؤية الوحدوية الشاملة. الحقائق تثبت أن وحدة عربية كاملة، تشكّل كتلة ضخمة تقترب من 15 إلى 20 مقعدًا، هى وحدها القادرة على الالتفاف على هذه الفخاخ. قائمة بهذا الحجم ستكون أكبر من أن يتم تجاهلها أو عزلها، وستجبر النظام السياسى الإسرائيلى برمّته على التعامل مع القوة العربية كحقيقة ناجزة وثابتة، لا كشريك تكتيكى يمكن استبعاده أو استخدامه ثم رميه حسب الحاجة. الوحدة هنا ليست شعارًا عاطفيًا، بل ضرورة بقاء واستراتيجية النصر الوحيدة المتاحة.
◄ كونك محاميًا، عندما يتحول التشريع من وسيلة لتنظيم العدالة إلى أداة تمس الحقوق التاريخية والمواطنة الأساسية للفلسطينيين، كيف يمكن منع القانون من أن يتحول إلى فخ يسلب الحقوق بصبغة شرعية؟ وهل معركتكم اليوم قانونية أم «اشتباك حقوقي»؟
يواجه المجتمع العربى فى إسرائيل منذ سنوات تمييزًا مؤسسيًا ممنهجًا، لكن منذ اندلاع الحرب نشهد تحولًا خطيرًا من التمييز الخفى إلى العنصرية المعلنة، التى باتت تترسخ فى تشريعات رئيسية ويتم الدفع بها علنًا على طاولة الكنيست. الإعلام الإسرائيلى، منذ السابع من أكتوبر، خلق مناخًا واضحًا من التحريض ونزع الشرعية عن المواطنين العرب، مما أتاح لأعضاء كنيست من الائتلاف والحكومة فرصة سياسية سانحة للترويج لقوانين عنصرية كأداة لجنى الأصوات. تحوّل أى مقترح قانون يمس الحقوق الأساسية للمجتمع العربى إلى بطاقة دخول لاستوديوهات التليفزيون، حيث يسوّق هؤلاء المنتخبون أنفسهم كوطنيين ومحبين للدولة، بينما يستخدمون الكراهية منصة للترقى الشخصى.
لكن المفارقة المأساوية أن هؤلاء أنفسهم يوجّهون «للدولة» ضربة قاصمة، فالتشريعات العنصرية لا تتوقف عند حدود إسرائيل، بل يتردد صداها عالميًا، إذ يؤدى الدفع بقوانين تميّز ضد فئات سكانية على خلفية قومية إلى تراجع تصنيف إسرائيل فى المؤشرات الدولية للديمقراطية وسيادة القانون، ويمس بتصنيفها الائتمانى ومكانتها الاقتصادية والدبلوماسية. المجتمع القانونى والتجارى الدولى ينظر بقلق بالغ إلى هذه الإجراءات التى تقوّض الأسس الديمقراطية التى تدّعى إسرائيل الاستناد إليها. إزاء هذه الموجة العاتية من التشريعات الشعبوية، المحرّكة بمصالح سياسية ضيقة والمدعومة بإسناد إعلامى معادٍ، لا بد من وقفة قانونية صلبة ودفاع لا هوادة فيه عن حقوق الأقلية، ليس فقط من أجل المجتمع العربى، بل من أجل مستقبل الحيّز العام بأكمله.
◄ هل لا تزال إسرائيل تملك ترف المراهنة على «العدو المشترك» لضمان بقائها موحّدة، أم أن الصدع الداخلى وصل إلى نقطة اللاعودة؟
خلال السنوات الثلاث الأخيرة يشهد الواقع السياسى فى إسرائيل اضطرابًا مستمرًا وعدم استقرار مزمن. ولا شك أن حركة الاحتجاج المناهضة للحكومة، وخروج مئات الآلاف إلى الشوارع لفترات طويلة بعزيمة وإصرار، يشيران إلى قوة الجمهور المعارض. ورغم زخم الاحتجاجات، لا تزال الخريطة السياسية منشقة إلى معسكرين واضحين. ومع ذلك، تشير استطلاعات الرأى إلى اتجاه جلى: لا توجد أغلبية فى الجمهور الإسرائيلى تدعم أداء الحكومة الحالية. هذه المعطيات تعزّز التقديرات بأن الاحتجاج سينجح، فى نهاية المطاف، فى قيادة التغيير المنشود، ولو جزئيًا، وإعادة رسم موازين القوى فى الدولة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.