هجر الوالدين فى كِبرهما وتركهما دون رعاية حتى يُصابا بالأذى عقوق صريح وكبيرة من كبائر المحرمات، إذ إن أكثر ما يحتاجه الوالدان فى هذه المرحلة ليس المال بقدر حاجتهما إلى المؤانسة، والجلوس مع أبنائهما، فكل هذه الأمور لا تقل أهمية عن الإنفاق عليهما، بل قد تكون أهم؛ فكثير من الآباء والأمهات لا يحتاجون إلى المال بقدر حاجتهم إلى الكلمة الطيبة والوجود الإنسانى الدافئ. حول هذا يؤكد الدكتور على الله الجمال، إمام وخطيب مسجد السيدة نفيسة، أن الشريعة الإسلامية أولت الوالدين فى مرحلة الكِبر عناية خاصة؛ لما يكونان فيه من ضعف وحاجة إلى الرعاية المادية والمعنوية. فبعد أن أمر الحق سبحانه وتعالى ببر الوالدين فى جميع الأحوال، خص مرحلة الكِبر بوصية مستقلة، فقال عز وجل: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾، آمرًا بالإحسان، ولين القول، والصبر على ما قد يظهر منهما من ضعف أو عجز، وجاعلًا ذلك من أعظم القربات. وأوضح الدكتور الجمال أن الله سبحانه وتعالى جعل أجر بر الوالدين والإحسان إليهما، لا سيما فى الكِبر، كأجر الحج والعمرة والجهاد فى سبيله. واستشهد بما رواه أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنى أشتهى الجهاد ولا أقدر عليه»، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: «هل بقى أحد من والديك؟» قال: أمي، قال: «فاتقِ الله فيها، فإذا فعلت ذلك فأنت حاجٌّ ومعتمرٌ ومجاهد، فإذا دعتك أمك فاتقِ الله وبرَّها». وأشار الجمال إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل السعى على حوائج الوالدين وطلب رضاهما جهادًا فى سبيل الله، مستشهدًا بحديث الرجل الذى استأذن النبى صلى الله عليه وسلم فى الجهاد، فقال له: «أحيٌّ والداك؟» قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد». وأكد الجمال وجوب بر الوالدين بقول الله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، وقوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾، مختتمًا حديثه بالدعاء أن يعيننا الله تعالى على بر الوالدين وصلة الأرحام ما بقينا فى هذه الحياة، وأن يدخر لنا ذلك فى الجنة أعلى الدرجات. من جانبه، أكد الشيخ أحمد المراغي، من علماء وزارة الأوقاف، أن بر الوالدين والإحسان إليهما من أعظم أعمال البر والطاعة بعد عبادة الله تعالى، بل هو مقدم على الجهاد فى سبيل الله؛ لما لهما من حق عظيم، وتقديرًا لما بذلاه من جهد وتضحية فى سبيل الأبناء، وهو أمر ثابت بالكتاب والسنة. وأوضح أن هجر الوالدين وتركهما دون رعاية يُعد تقصيرًا وإهمالًا، بل كبيرة من الكبائر، حتى قرنه الله تعالى بالشرك به، مستشهدًا بحديث النبى صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الشرك بالله وعقوق الوالدين». وأشار إلى أن الوالدين يكونان فى حاجة ماسة إلى الأبناء خاصة عند الكِبر والمرض، داعيًا الأبناء إلى أن يكونوا عونًا وسندًا لوالديهم لينالوا رضاهما، محذرًا من أن العقوق ينزع البركة ويورث الفقر والمرض. وأكد أن الانشغال بالدنيا لا يبرر إهمال الوالدين، لما يسببه ذلك من ألم نفسى وأذى بالغ لهما. وشدد على أنه لا يجوز تفضيل الزوجة أو الأبناء على الوالدين، موضحًا أن العلماء أجمعوا على أن كل ما يتأذى به الوالدان، نفسيًّا أو بدنيًّا، صغيرًا كان أو كبيرًا، يُعد من العقوق. وذكر من مظاهر العقوق: سبّ الوالدين، والتأفف فى وجهيهما، ورفع الصوت عليهما، وعدم احترامهما، بل وقد يصل الأمر - عند من فقد ضميره - إلى الاعتداء عليهما بالضرب، والعياذ بالله. وأضاف أن من صور العقوق كذلك الانشغال عنهما وترك خدمتهما فى الوقت الذى يكونان فيه أحوج ما يكونان إلى الرعاية، لافتًا إلى أن من أسباب عقوق الوالدين أحيانًا الزوجة غير الصالحة التى لا تعين زوجها على البر، بل تحرضه على الإهمال.