قبل أن تقرأ: بلدنا ليست هؤلاء وأمثالهم، إنهم الوجه القبيح للإنسان والإنسانية. يصيبنى الفزع، كلما أغمضت عينى وتخيلت مشهد عروس المنوفية «الشهيدة»، وهى تصرخ من العذاب، وزوجها المتوحش ينهال عليها ضربًا فى صدرها، حتى تهشمت عظمة القفص الصدري، ثم يواصل الركل بعنف أعمى فى بطنها ويمزق جسدها، ويجهض جنينًا لم يرَ النور.. لم تهتز مشاعره، ولم يلِن قلبه، وهى تستغيث وتصرخ، حتى نزفت فى المخ والرئتين، فتوقفت عضلة القلب والتنفس، وأسلمت الروح لبارئها، وكان الموت أرحم من الحياة. ثم تكتمل المأساة حين تأتى أمه، حفيدة «ريا وسكينة» فى قسوتها، لتزوير الوقائع بسذاجة مصطنعة، وبمساندة شهود الزور من قريباتها وجيرانها، وكأن الروح البريئة التى عُذبت حتى القتل لا تستحق الرحمة، ولا تستحق أن تعود إلى ربها راضية مرضية، بعد قصاص عادل يشفى غليل المظلوم ويعيد للعدالة هيبتها. ويصيبنى الفزع وأنا أتخيل مشهد طالب الإسماعيلية، ابن الثلاثة عشر عامًا، وهو يقطّع صديقه بالمنشار الكهربائى إلى أشلاء صغيرة، على طريقة لعبة إلكترونية، وأسأل نفسي: أين كان الأب؟ أين كانت الأم؟ أين الإخوة والجيران؟ ..كيف يُترك طفل ليقتل صديقه ويمزقه، وكأن الدم صار بلا قيمة، والحياة مجرد محاكاة لعبة؟ وتكتمل مناظر الرعب بفيديو مدرس الفيزياء الذى قتل زميله، ليسدد ديونه، وهو يقف أمام المحكمة متحدثًا بالحكمة والموعظة الحسنة، ويشرح بهدوء كيف قطّعه إلى ثلاثة أجزاء فقط، وكيف ألقى بكل جزء فى مكان مختلف.. انفصال تام بين الجريمة والضمير؟ وأى عقل يستطيع أن يجمع بين الوعظ وسفك الدم؟ إيه اللى بيحصل؟ ولماذا هذه الوحشية؟ ولماذا الاستمتاع بتعذيب الضحية حيا وميتا؟، هل هى جرائم عادية أم بالتكثيف الاعلامى؟ أنا غير مقتنع بالتفسيرات النفسية، ولا بتحليل «فرويد» أبو المدرسة النفسية الحديثة، الذى يختزل العنف فى «طاقة مكبوتة فى اللاوعي»، فنحن أمام جرائم تفوق حدود الوعى واللاوعى، ومحاطة بتواطؤ شهود الزور، لإيجاد مبررات للإفلات من قبضة العدالة وسيف القانون، الذى يهوى على رقابهم. ولست مع التفسيرات التى تربط الوحشية بالمخدرات، أو «الشخصية السيكوباتية»، أو القهر الاجتماعي، أو الرغبات الغريزية، وكلها تفسيرات تهتم بالجانى وتنسى الضحية، وتتجاهل حجم العذاب والألم والفزع الذى عاشته حتى الموت. وأميل إلى الحكمة البليغة «إذا الإيمان ضاع فلا أمان، ولا دنيا لمن لم يحى دينًا».. ضاع الأمان حين ضاع الإيمان، الإيمان الذى يبنى مجتمعًا متراحمًا آمنًا مستقرًا، يتزين بالقيم، ويحقق الأمن الاجتماعي، ويعيد للإنسان إنسانيته. والحسم هو قبضة الدولة القوية، والإسراع بالقصاص العادل.. مبدأ أصيل فى الشريعة والقانون، ويقوم على المماثلة فى العقوبة «العين بالعين»، ليس انتقامًا بل عدالة، يردع الجانى وينصف الضحية، ويمنع تكرار الجريمة.. قصاص ينفذه ولى الأمر «الدولة»، لتبقى هى حارس الحق .