مصر ليست بلدًا فقيرًا فى المواهب، هى وطن الإبداع، وتتنفس التفوق فى كل مجال ..هذه الأرض قادرة بطبيعتها وتاريخها، على أن تُنتج ملايين المواهب فى الفن والعلم واللغة والابتكار، لكن كلمة السر التى صنعت الفارق هى: ،«العيون الخبيرة» لازاحة الصداء، و«الفرص المتاحة» وعدم قتل المواهب. وأمامنا تجربة برنامج «دولة التلاوة»، الذى لم يكتفِ بإبهار الملايين، بل حقق رقمًا قياسيًا غير مسبوق فى نسب المشاهدة ، والنجاح شهادة على أن الجمهور لا يسعى وراء الابتذال كما يُشاع عن سوشيال ميديا، وإنما «ذواقة» ومتعطش للبرامج الراقية التى تسمو بالروح والعقل. ونشعر بالسعادة ونحن نترقب البرنامج الجديد المنتظر حول كنوز اللغة العربية ،فى وقت ضعفت فيه ملامح لغتنا بين العامية واللغات الأجنبية ، حتى أصبح بعض أبنائنا يكتبون «نحن» بالواو «نحنو»، ويخلطون العربية بحروف وكلمات أجنبية فى جملة واحدة ، و يلطخون الهوية الوعى. ليس المقصود أبدًا رفض تعلم اللغات، لأن هذا يعنى الارتداد إلى عصور التخلف، وإنما المطلوب هو التوازن: تعلم لغات العالم مع الحفاظ على لغة القرآن الكريم. ويكفى أن نستحضر تجربة أجدادنا حين أرسل محمد على بعض شيوخ الأزهر إلى فرنسا ليتعلموا العلوم الحديثة، فعادوا ليقودوا عصر النهضة، دون أن يتخلوا عن لغتهم أو ثقافتهم أو انتمائهم. كيف تم اكتشاف أم كلثوم ونجوم الفن والإبداع ؟.. كلمة السر لم تتغير: عنصران لا غنى عنهما، «العيون الخبيرة»و «الفرص المتاحة» .. كانت أم كلثوم تغنى مع والدها فى الموالد، والتقط صوتها الشيخ محمد أبو العلا، ثم جاءت إلى القاهرة لتجد الفرصة الذهبية التى مكنتها من الصعود والتألق. وعاشت مصر فى الخمسينات والستينات من القرن الماضى فترة ازدهار غير مسبوقة فى الفن والأدب والموسيقى ومختلف ألوان الثقافة، وما زلنا حتى الآن ننفق من هذا الرصيد الحضارى الضخم، وننتظر أن نضيف إليه أرصدة جديدة لا تقل ابداعا وتأثيرًا. لا أصدق أبدًا أن شبابنا هو مجرد ترند وفيس بوك وتيك توك، أو أنه ضعيف البنية والهوية،الحقيقة أنه شباب يملك الطاقة والاستعداد، لكنه يحتاج فقط من يأخذ بيده إلى «نماذج القدوة». والقدوة ليست فقط نجوم الكرة أو المهرجانات أو البلوجرز، بل يمكن أن تكون فى منشِد أو عالم ذكاء اصطناعى أو طبيب أو مهندس، ليصنعوا أسماء عظيمة ،وتظل القاعدة واحدة لا تتغير: العيون الخبيرة والفرص المتاحة. فى الفترة من القرن الخامس عشر إلى السابع عشر، عاشت أوروبا عصر النهضة، حين انتشرت أفكار جديدة تعلى قيمة الإنسان وقدراته، وتخرج بالمجتمعات من عصور الظلام إلى آفاق أكثر استنارة وحداثة ،وهذه القيم لم تتغير لأنها ببساطة تعبر عن جوهر الإنسانية ،التى تبحث عن فرص أفضل للحياة .