فى محاولة استجداء جديدة نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شريط فيديو قبل عدة أيام حاول التوسل فيه للرأي العام الأمريكي، من أجل الضغط على الرئيس دونالد ترامب لتكثيف جهوده ومحاولة تدخله فى العفو عنه أمام القضاء الإسرائيلي. الفيديو جاء ب«اللغة الإنجليزية»، ومفاده «أنقذونى»، عمد نتنياهو من خلاله إلى التوسل لصديقه الرئيس الأمريكي، في محاولة جديدة - ولن تكون الأخيرة - للضغط على المؤسسة القضائية في إسرائيل للعفو عنه، بعد ست سنوات كاملة من التحقيقات المضنية، بزعم أنه «يقوم بمهمة مقدسة»، ممثلة فى مواصلة الحرب على «الإرهابيين» كما يدعى، دومًا، فى إشارة إلى حروبه على أكثر من جبهة، على رأسها غزة، وبعدها لبنان وسوريا. رغم أن الفيديو لم يشر صراحة إلى حالة التوسل والاستجداء، فإن «بيبى» صعَّد هجوما على الجهاز القضائى فى تل أبيب، عبر مقطع فيديو مصور باللغة الإنجليزية، مدته وصلت إلى ثلاث دقائق كاملة، هاجم فيه مكتب المدعى العام فى تل أبيب، زاعمًا أنهم «يريدون الإطاحة بى»، وبأنهم يكيلون له الاتهامات التى يعتبرها «اتهامات سياسية» تعرقل مسيرته السياسية وعمله العسكرى «الناجح - على حد قوله» فى غزة. غير أن المتابع لملف اتهامات نتنياهو يدرك للوهلة الأولى أن الفيديو موجه، فى الأساس، إلى الرأى العام الأمريكى، وخاصة الرئيس ترامب، وبأنه يعانى من «الاضطهاد السياسى»، رغم أنه فى حالة «انتحار سياسى»، زاعمًا أن المدعين فى بلاده يرفضون إسقاط تهم الرشوة عنه فى الملف 4000، ساخرًا فى الوقت نفسه من محاكمته، معتبرًا إياها «محاكمة باجز بانى»، فى إشارة إلى أنه سبق وتلقى ابنه هدية لدمية «باجز بانى» قبل 29 عامًا، وما يزال القضاء الإسرائيلى يتسمك بتلك الهدية، باعتبارها خارجة عن القوانين والأعراف «الصهيونية». وصف نتنياهو في فيديو «الإنجليزية» محاكمته ب«العبث والتحقيقات السخيفة» ربما يطيح به من منصبه السياسى الذى استمر فيه لما يزيد عن 18 عامًا - على فترات متقطعة - حيث لم يكتف بجلبه «باجز باني» في الفيديو، ولكنه أكد أن محاكمته على خلفية تلقيه «سيجار» هدية، هو أمر يمزق إسرائيل من الداخل ولن يجدى نفعًا معه، متكبرًا على المحاكمة التى يعتبرها «محاكمة سياسية»، دومًا. يرى «بيبى» أن محاكمته التى بدأت قبل ست سنوات يمكن أن تستمر لأربع سنوات مقبلة، فى إشارة إلى أن القضاء لن يمل أو يكل من إجباره على الاعتذار لقبول العفو عنه، وكل من الاتهامات بتلقى هدايا «باجز بانى وسيجار»، هى فى الأساس واقعة من الاستخفاف بالقضاء الإسرائيلى، الذى لا يمل من إجراء الجلسات للتحقيق معه فى ثلاث قضايا متهم فيها بالرشوة واستغلال منصبه. الغريب أن مصادر سياسية إسرائيلية أكدت أن فيديو «اللغة الإنجليزية» ليس موجهًا للداخل الإسرائيلى، بقدر ما هو موجه للرأى العام الأمريكى وعلى رأسه ترامب، بهدف خلق انطباع أن رئيس الوزراء الإسرائيلى يعانى من «الاضطهاد السياسى» فى بلاده، وعلى المجتمع الدولى سرعة التدخل! لم يقف الأمر عند تلك المصادر، بل خرج على الفور غريمه التقليدى، بينى جانتس رئيس حزب «أزرق أبيض» ليتهمه بمهاجمة القضاء فى بلاده، وعدم تقدير النيابة العسكرية الإسرائيلية، وتغليب مصلحته الشخصية على حساب مصلحة تل أبيب. تساءل جانتس عن السبب وراء تقديم نتنياهو فيديو باللغة «الإنجليزية»، وعدم تقديمه باللغة «العبرية»، إذ يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلى تهريب القضاء والمدعين وتشويه صورة إسرائيل أمام المجتمع الدولى؛ رغم أن الرئيس ترامب بنفسه، قد تقدم بطلب لنظيره الإسرائيلى إسحاق هرتزوج بطلب العفو عن نتنياهو، كما أن «بيبى» قد تقدم بطلب مماثل لهرتزوج، إلا أنه حتى تكتمل عملية العفو عن «بيبى» يتطلب تقديمه اعتذارا رسميا والإقرار بالذنب. بيد أن نتنياهو لم يرغب فى تقديم هذا الإقرار أو اعتزال الحياة السياسية، وهى الشروط التى يجب أن يعلنها «بيبى» حتى يتم العفو عنه، فى تأكيد واضح على وجود رغبة حقيقة فى استكمال مساره السياسى وتحقيق حلمه المزعوم بتكوين «إسرائيل الكبرى»، التى لطالما يتغنى بالعمل على تحقيقها. الثابت أن وسائل الإعلام العبرية تناولت فيديو «اللغة الإنجليزية» لرئيس الوزراء بحالة من السخرية والتهكم على نتنياهو، الذى وصل به الحال إلى التوسل والاستجداء من الرأى العام العالمى، وهى الوسائل التى اعتبرت تدخل ترامب، لأكثر من مرة، بشأن العفو عن نتنياهو، يعد جزءًا من حملة ضغط سياسية وإعلامية واسعة تمارس على القضاء الإسرائيلى وهرتزوج أيضا من أجل وقف محاكمة نتنياهو القابع في «الفساد».