تبدأ أوليفيا نوتزي كتاب النشيد الأمريكي باعتراف، ليس للقارئ، بل لنفسها. إنه اعتراف هادئ وموجع لامرأة قضت ليالي طويلة تتجول في ممرات السلطة، معتقدة ومتمنية أن القرب من أصحاب القرار قد يكون شكلًا من أشكال الحقيقة. مذكراتها ليست قصة صحفية اقتربت أكثر مما يجب فحسب؛ بل هي قصة حقبة كاملة جذبت الناس ببريقها، وابتلعتهم، ثم تركتهم في العتمة يحاولون استعادة وعيهم بعد ذلك. ◄ واشنطن تتحول إلى مسرح.. وعهد ترامب مليء بالفوضى ورغم أن كتاب النشيد الأمريكي يمتد ليغطي سنوات تكوينها وصعودها المهني، إلا أن مركز جاذبيته واضح لا لبس فيه؛ وهو عهد دونالد ترامب، تلك السنوات التي تحولت فيها واشنطن إلى مسرح، وعرض تلفزيوني واقعي، وتهديد، وحلم مضطرب في آنٍ واحد.. تبدو المذكرات كرحلة دافئة ذات طابع شخصي عبر أكثر السنوات السياسية غرابة وتقلبًا في التاريخ الأمريكي الحديث؛ زمن كان فيه الصحفيون شهودًا على الحدث ومشاركين فيه رغمًا عنهم. تكتب نوتزي عن عهد ترامب كما يكتب أحدهم عن عاصفة طويلة مربكة؛ ضجيجها، عدم قابليتها للتوقع، وخليطها الغريب من الخطر والإثارة. تتذكر دخولها عالم ترامب ليس كمحللة أو معلقة، بل كصحفية شابة تتنقل في مشهد عوملت فيه الحقيقة كسلعة قابلة للتفاوض.. أكثر ما تلتقطه هو فيزياء المرحلة العاطفية.. كيف شوهت الحكم، وطمست الحدود، ونتج عنها الحاجة المستمرة إلى متابعة الحدث وكتابته وتأكيد أن الفوضى كانت حقيقية. ◄ اقرأ أيضًا | مظاهرة احتجاج في جرينلاند ضد مطامع ترامب أحد أقوى مسارات السرد هو مكاشفة نوتزي لمسألة الوصول إلى مصادر السلطة.. فهي لا تنكر طموحها، لكنها أيضًا لا تنكر ثمنه.. تتوالى في الكتاب مشاهد تكاد تكون سينمائية: مكالمات هاتفية ليلية مع شخصيات من داخل الحملات، ركوب المواكب الرسمية حيث يسود الصمت لكن الجميع يدرك أنه جزء من آلة السلطة، وممرات البيت الأبيض التي تهتز بالشائعات، لكن البريق الذي رأت فيه سحرًا ذات يوم يبدأ بالتلاشي تدريجيًا، وحين تصل بنا إلى فترة انتخابات 2020 يتحول ذلك البريق إلى ضوء باهت وبارد لا يجامل أحدًا. وتبدأ القدرة على الوصول للمصادر، التي كانت يومًا رأسمالًا مهنيًا، في التحول إلى عبء. لا تجامل نوتزي نفسها، ولا تطلب الغفران، بل تتفحص دورها بدقة صحفية وهشاشة كاتبة مذكرات، تواجه الحقيقة الصادمة لعصر ترامب؛ بالنسبة للصحفيين، كان مشهده مذهلًا ومربكًا. لم يكمن الخطر فقط في حرب إدارة ترامب على الصحافة، بل أيضًا في مدى سهولة انزلاق الصحفيين إلى لعب دور الشخصيات داخل القصة نفسها، في هذا المعنى، يصبح النشيد الأمريكي أقل شبهًا بمذكرات سياسية وأكثر قربًا إلى بورتريه نفسي لحقبة أعادت تشكيل كل من عاش داخلها. النشيد الأمريكي ليس كتابًا عن ترامب بقدر ما هو كتاب عن النجاة من عهد ترامب، خصوصًا من الصف الأمامي. إنه مذكرات عن الطموح، والجاذبية، والقرب، والأذى الصامت الذي تسببه الحياة في قلب عاصفة وطنية.