كان الله فى عون لبنان (الدولة) ذات الإسهام الحضارى والتأثير الثقافى، و(الشعب) الذى يستحق أن ينعم بالأمن والأمان، وينهض ويرتقى اقتصاديًا، حيث تعيش على وقع أكبر أزمة واجهتها، قد تكون أكثر صعوبة من الحرب الأهلية، والتى استمرت 15 عامًا كاملة من 1975 حتى 1990، فالوقائع تقول إنه يواجه ضغوطًا غير مسبوقة، من دول خارجية، توافقت على تحويل لبنان إلى ساحة صراع مفتوحة ومتقدمة، تنفذ فيها أجنداتها، وتحقق فيها مصالحها، نتحدث عن ثلاث منها: إسرائيل، إيران، أمريكا، أما داخليًا، فهناك خلاف جذرى بين القوى السياسية اللبنانية، حول استمرار وجود سلاح حزب الله خارج سيطرة الدولة، ويبدو أن الأمر فى حاجة إلى مزيد من التفاصيل. البداية كالعادة من إسرائيل، والتى تمثل السبب الرئيسى لكل ما يجرى فى لبنان، وتتعامل معه باعتباره ساحة للتوسع، ولا تخفى أطماعها فى ذلك، وقد استثمرت فى إعلان حزب الله مشاركته فى جبهة الإسناد ضد العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، فاستباحت كل الأراضى اللبنانية، واستمر الحال على ما هو عليه، حتى تم التوصل إلى اتفاق وقف العمليات العدائية فى 27 نوفمبر من العام الماضى، والتى لم تحترمه، فوفقًا لتقرير القوات الأممية (اليونفيل)، فقد وصل عدد الخروقات إلى عشرة آلاف انتهاك، و2500 توغل برى و7500 انتهاك للمجال الجوى، كما استأنفت إسرائيل مؤخرًا، غارتها على الضاحية الجنوبية فى بيروت، وهو الهجوم الأول منذ عدة أشهر، حيث اغتالت هيثم الطبطبائى أحد أبرز قادة حزب الله العسكريين، وتروج تل أبيب لتقارير بقيام حزب الله بإعادة قدراته العسكرية، بوتيرة تفوق خسائره خلال فترة المواجهات السابقة رغم أنها ومعها أى من أعضاء لجنة المراقبة الدولية، لا تملك أى أدلة على ذلك، وفى مواجهة ذلك، أعادت إسرائيل صواريخها الثقيلة إلى جنوب الليطانى، مع تزايد عدد الطائرات المسيرة، وإعادة بناء شبكات الأنفاق، بشكل يفوق ما كانت عليه قبل وقف إطلاق النار، ولم يعد خافيًا على أحد بأن تل أبيب ستتحرك فى أول الشهر القادم، نهاية المهلة الممنوحة للحكومة لنزع سلاح الحزب، لتحقيق أهدافها، وهى إعادة رسم الحدود بما يتوافق مع مستلزمات الأمن القومى الإسرائيلى، وحصر السلاح جنوب الليطانى، ووقف كل محاولات تهريب السلاح والمال، والذهاب بعد نجاح المهمة إلى التفاوض، للتوصل إلى اتفاق سلام هو أقرب للاستسلام. وتظل إيران أيضًا ضلعًا مهمًا فى المعادلة، والتى نجحت عبر دعمها لحزب الله فى أن تكون رقمًا صعبًا فى المنطقة، ولهذا لم تخف دعمها العلنى له فى مواجهة المطالب بنزع سلاحه، ويكفى أن نتوقف عند آخر التصريحات بهذا الخصوص، لنكتشف موقع حزب الله فى الاستراتيجية الإيرانية، فهو (أهم من الخبز والماء بالنسبة لإيران)، كما قال على أكبر ولايتى مستشار المرشد الأعلى للشئون الدولية، وقد توقع مساعد قائد فيلق القدس المسئول عن العمليات الخارجية فى الحرس الثورى إيرج مسجدى، بأن مخطط نزع سلاح الحزب (لن يكتب له النجاح)، ويبقى الطرف الثالث، أمريكا التى تعطى تعليمات، وتفرض شروطًا، وتحدد مهلًا للتنفيذ، والتى تضمنتها الورقة التى قدمها المبعوث الأمريكى توماس باراك للحكومة اللبنانية فى أغسطس الماضى، وتحتوى على جدول زمنى وآليات لنزع سلاح الحزب الذى يعتبره ترامب مشكلة كبيرة للبنان ويهدد الشرق الأوسط بأكمله، وأعطى مهلة أخيرة نهاية هذا الشهر لإنجاز المهمة، وهى أكثر من يدرك صعوبة تحقيقها، بين يوم وليلة. لا يختلف الداخل عن الخارج، والذى يتحكم فيه ثلاث جهات، السلطة اللبنانية وحزب الله والقوى المناوئة له، الأولى تعاملت بجدية شديدة مع الأزمة، ومنذ يوليو الماضى، عندما دعا الرئيس جوزف عون إلى سحب جميع القوى المسلحة، بمن فيها حزب الله وتسليمه إلى الجيش، وفوضت الحكومة الجيش فى الخامس من أغسطس الماضى فى وضع خطة لضمان حصر السلاح، حيث أنجز - كما أعلن على لسان قائد قطاع جنوب الليطانى العميد نقولا تابت - بالفعل 80 من التكليف وشملت سحب السلاح جنوب الليطانى، وقدرت ب 230 ألف قطعة سلاح، وشملت ذخائر ومنصات صواريخ وأسلحة ثقيلة، كما يعمل الجيش بالتعاون مع قوات اليونفيل للانتشار فى 130 نقطة فى الجنوباللبنانى. وهكذا فإن المشهد السياسى، يكشف عن وجود فريقين وهما: الأول: يدعو إلى السير باتجاه تنفيذ قرار نزع سلاح الحزب، ويضم قوى سياسية، وشخصيات نافذة فى الحكومة والبرلمان، ويتعامل معه على أنه خطر وجودى، يوفر الذرائع لإسرائيل، لاستباحة كل الأراضى اللبنانية، فى مقدمتها القوات اللبنانية، التى تقدم أعضاء لها فى مجلس النواب، سؤال للحكومة قد يتحول إلى استجواب، عن تنفيذها لقرارها، ووصل الأمر إلى دعوة رئيسه سمير جعجع، إلى مطالبة الجيش بالصدام مع عناصر حزب الله. الثانى: الحزب وحلفاؤه، الذى يرى أن التصعيد الأخير، دليل إضافى على ضرورة الحفاظ عليه، باعتباره عامل ردع، ويعتبر أن الدخول فى نقاش حول نزع السلاح فى هذا التوقيت، يصب فى مصلحة الاستراتيجية الإسرائيلية. وبعد، الاختيارات أمام لبنان محدودة، إما القبول بالشروط الإسرائيلية، أو الذهاب بالبلاد إلى حرب أهلية قد تندلع بأخطاء من أى جانب، وستكون أشرس وأشد من ذى قبل، أو القبول بوجود أمريكى فى جنوبلبنان لتوفير ضمانات أمنية لإسرائيل، وإنهاء أى تهديد لمناطقها الشمالية ويسقط حجتها، وذلك بعد نزع سلاح حزب الله بالطبع. ونحن فى الانتظار!.