السياحة ليست آثارًا ومزارات فقط، بل تجربة متكاملة تبدأ من ابتسامة الترحيب بالمطار، مروراً بكل ما يلاقيه السائح فى رحلته من خدمات وسلوكيات ولوجستيات خلال ال 10 شهور الأخيرة، وصلت أعداد السائحين فى مصر إلى 15.6 مليون سائح، ومن المتوقع-بعد افتتاح المتحف الكبير- أن يقترب العدد من 18 مليون سائح نهاية العام، بزيادة 20٪ عن العام الماضى. خبراء السياحة يرون أن مصر بامكاناتها السياحية الكبيرة، وسياساتها النشطة فى ملف السياحة تستطيع مضاعفة العدد ، وتستحق أن يكون لديها 30 مليون سائح سنوياً. والحقيقة، أن الدولة من ناحيتها اتخذت بالفعل خطوات عديدة لدعم قطاع السياحة، مثل التسهيلات التمويلية لأصحاب الفنادق لزيادة طاقتهم الفندقية، والبرامج التحفيزية لشركات الطيران ، بالإضافة بالطبع إلى زيادة المزارات السياحية ، وعلى رأسها المتحف المصرى الكبير، ومن قبله متحف الحضارة وغيرها. ووفقا للخبراء ، فإنه من المتوقع بعد كل هذه الخطوات ، أن تصل أعداد السائحين إلى 15 - 20 ألف زائر يوميًا، لكن السؤال الآن: هل يكفى أن نمتلك أضخم متحف ، وأعظم حضارة، وأجمل آثار، وأرقى فنادق، لنحقق الطفرة السياحية التى نستحقها؟ هل نحن جاهزون لاستقبال هذه الأعداد بما يليق بعظمة وهيبة حضارتنا التى شهدها العالم كله خلال حفل افتتاح المتحف الكبير؟ السياحة ليست آثارًا ومزارات فقط، بل تجربة متكاملة تبدأ من ابتسامة الترحيب بالمطار، مروراً بكل ما يلاقيه السائح فى رحلته من خدمات وسلوكيات ولوجستيات. والحقيقة، إننا نمتلك بالفعل معالم ومزارات وامكانيات سياحية هائلة ، ونقدم برامج مميزة ، ونبذل جهودا ضخمة ، لكننا نفتقد أحيانًا ثقافة التعامل مع السائحين، ونغفل التفاصيل الصغيرة التى تترك الانطباع والأثر فى ذهن السائح. لا يمكن أن نراهن فقط على عظمة الأهرامات، وإبهار الآثار،و إبداع المتاحف، وروعة الطرق، بينما بعض سائقى التاكسى وأصحاب البازارات وحتى أصحاب الكارتة والجمال عند سفح الأهرامات، يفسدون الصورة، ويسيئون لكل الجهد والامكانيات، بسلوكيات لا تليق باسم مصر، وتترك انطباعاً سيئاً لدى السائحين ، هذه الصغائر ، تهدد جهود قطاع كامل ، وتجعلنا نجد أرقام السائحين أقل كثيرًا من دول أخرى لا تمتلك عُشر ما تمتلكه مصر من آثار ومعالم سياحية. جهود ضخمة تبذلها الدولة لدعم السياحة، لكننا نحتاج معها إلى ثورة فى السلوك والخدمات والوعى السياحى ، نحتاج إعادة تأهيل وتدريب كل من يعمل فى الأماكن السياحية والمزارات الآثرية ، نحتاج جهوداً ضخمة لمتابعة ومراقبة حالات استغلال السائحين، ونحتاج توعية جميع الفئات بأن السياحة هى «لقمة عيش فى كل بيت» . نحتاج أيضا جهوداً كبيرة لتحقيق الانضباط المرورى الذى يعكس صورة شوارعنا فى عيون السائح ، ونحتاج تنوع وتطوير وسائل النقل الداخلية، وتنوعاً فى الفنادق لتناسب كل المستويات وتجذب أعداداً أكبر من السائحين . نحتاج اهتماماً كبيراً بحماية المتحف المصرى الكبير الذى أصبح من أكبر متاحف العالم، وحمايته تكون بنشر ثقافة المتاحف وتوعية الناس بقيمة متاحفنا ، ليشاركوا الدولة فى حمايتها. المتحف المصرى الكبير كان حلمنا أنفقنا عليه الكثير من الوقت والجهد والمال ، وهو اختبار لقدرتنا على إدارة حضارتنا الحديثة، كما أبدع أجدادنا فى إدارة حضارتهم القديمة. أتمنى أن نحافظ على صورة هذا الحلم ، كما رآها العالم كله فى حفل الافتتاح، وهى الصورة المبهرة التى بدأت تجذب إلينا السائحين ، ونتمنى أن تحقق لنا قريبا ، حلم ال 30 مليون سائح .