لا يمكن عزل المشهد المضطرب فى المنطقة عمّا نشهده من عودة النشاط المحموم للتنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين، الذى عقد خلال الفترة الأخيرة سلسلة من الاجتماعات المتتابعة لإعادة ترتيب أوراقه ووضع خطته للمرحلة المقبلة. فى الأسابيع الماضية ظهر حراك واسع عابر للقارات، واستضافت لاهور فى باكستان تجمعًا كبيرًا ضم وفودًا إخوانية وقيادات تنظيمية بارزة من عشرات الدول، تزامن معه نشاط إعلامى مكثف لتقديم صورة جديدة تحاول تجميل الهوية التقليدية للجماعة. ومن لاهور فى باكستان، مرورًا باجتماع مجلس مسلمى أوروبا فى تركيا، وصولًا إلى لقاء فكرى موسع فى كوالالمبور، تكررت الأهداف المُعلنة: إعادة هيكلة الأدوار وترتيب الملفات الساخنة فى المنطقة. لكن ما لا يمكن تجاهله أن الهدف الأهم هو محاولة التسلل مجددًا إلى الساحة المصرية، بعد دراسة أسباب الإخفاق السابق، وتكثيف الحرب الإعلامية، واستغلال أجواء الانتخابات والأزمات المعيشية، وخلق مناخ يمهد لعودة الفوضى. ولا ينبغى أن تشغلنا التطورات الداخلية عن متابعة تحركات الجماعة الخارجية، التى استعادت نشاطها بشكل مفاجئ بعد سنوات من الكمون بعد أحداث يناير 2011، فالتنظيم يجيد الاختباء ثم العودة إلى السطح فى اللحظة التى يراها مناسبة. واعتاد الإخوان أداء لعبة تشبه «الكراسى الموسيقية» على مسرح الأحداث: فتارة يطفو «الجناح الاقتصادى» عبر الشركات ورءوس الأموال والمشروعات، وتارة يبرز «الجناح العسكري»، بعملياته الإرهابية، وتارة يتصدر «الجناح السياسي» بمَن يطلقون عليهم الحكماء. ويندر أن تظهر الأجنحة الثلاثة فى وقت واحد، لكنها ظهرت مجتمعة للمرة الأولى بعد أحداث يناير، ولم تعمل حساب فقدان السلطة. نحن نقرأ ما يجرى اليوم وندرك أن الماضى والحاضر يشكلان معًا ملامح الحركة المقبلة، وتبدو الصورة وكأننا نشاهد فيلمًا يبدأ من نهايته ثم يعود إلى بدايته. السيناريوهات نفسها تتكرر لكن بديكورات جديدة، وبالسير على المسارات ذاتها: تغيير الواجهات العلنية، تأسيس كيانات بديلة لا تحمل اسم الجماعة، والدفع بوجوه جديدة لا ترتبط تنظيميًا بها لتخفيف الضغوط المتزايدة. ولجأ الإخوان إلى هذه الأساليب مرارًا، فكلما اشتدت قبضة الدولة احتموا بادعاءات الاضطهاد والأكاذيب، كما اعترفوا بعد وصولهم للسلطة بجرائم ظلوا ينكرونها لسنوات، وعلى رأسها مؤامرة الانقلاب على الثورة ومحاولة اغتيال جمال عبدالناصر. وفى الوقت نفسه تكثّف الجماعة نشاط كتائبها الإلكترونية لاستغلال الوضع الاقتصادى والاجتماعى فى مصر، وهو ما بدأ يظهر فعليًا عبر آلاف الفيديوهات والمنصات التى تضخم كل حدث صغير أو كبير. وعلى الصعيد الخارجي، يسعى التنظيم لتشكيل تحالفات جديدة مع حركات متقاربة، والاستفادة من الخبرات التنظيمية فى دول مثل باكستانوتركيا وماليزيا، بالتوازى مع استخدام نفوذه داخل أوروبا للضغط السياسى ومحاولة مواجهة قرارات الرئيس ترامب الخاصة بإدراج الجماعة على قوائم الإرهاب. أما ذاتيا فيعمل التنظيم على إعادة ترتيب جبهته، وهيكلة قياداته لمعالجة الانقسام بين الحرس القديم والجديد، بعد أن سمحت له سنوات الكمون بالحفاظ على وجوده فى انتظار اقتناص الفرص .