استضافت القاهرة على مدى يومين ملتقى إقليميًّا مهمًّا بعنوان: "إعداد خارطة الطريق الإقليمية العربية لتفعيل توصية اليونسكو لعام 2023 بشأن التعليم من أجل السلام وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة في المنطقة العربية". نظم الملتقى المكتب الإقليمي لليونسكو في بيروت بالتعاون مع اللجنة الوطنية المصرية لليونسكو، وتحت رعاية وزير التربية والتعليم، وبمشاركة نخبة من الخبراء وصنّاع القرار في العالم العربي. ومثّل هذا الملتقى محطة بارزة في مسار تعزيز التعليم القيمي في المنطقة، حيث شاركت فيه الدكتورة رهام عبدالله سلامة، مدير مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، كمتحدّث رئيس في الجلسة النقاشية الثالثة التي حملت عنوان: "تمكين الأثر في المنطقة العربية: الشراكات والممارسات"، مقدّمةً عرضًا شاملًا لتجربة مرصد الأزهر في مكافحة التطرف وبناء السلام على مدى عشر سنوات. أوضحت الدكتورة رهام أن الأزهر الشريف، بصفته أقدم مؤسسة تعليمية في العالم، قد جعل من بناء العقل وترسيخ قيم التفكير النقدي هدفًا رئيسًا، وهو ما يتجسد في عمل مرصد الأزهر الذي يحظى برعاية فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، حيث نقلت تحيته للمشاركين وأشارت إلى جهود الأزهر في إعداد مناهج تعليمية تعكس جوهر الثقافة الإسلامية، مثل كتابي الثقافة الإسلامية المقررين على طلاب الصف الثالث الإعدادي والصف الأول الثانوي، باعتبارهما نموذجين يسهمان في بناء العقول وتوضيح حقيقة الإسلام المعتدل. كما أبرزت أن المرصد يعمل بثلاث عشرة لغة مختلفة، إدراكًا منه أن ثمانين بالمائة من المسلمين حول العالم لا يتحدثون العربية، وهو ما يوسع دائرة تأثيره في مواجهة خطاب الجماعات المتطرفة. وتطرقت إلى ما رصده المرصد من أساليب خطيرة اعتمدتها جماعات تكفيرية مثل داعش، حيث لجأت إلى إدخال صور المتفجرات والقنابل والآليات العسكرية في مواد تعليمية للأطفال، حتى في مادة الرياضيات، وهو ما يمثل خطورة بالغة على "المعادِل البصري" في عقل الطفل الصغير، ويكشف عن مستوى مهاري متقدم في استغلال التعليم لتغييب العقول. وأكدت أن المرصد واجه هذه الأفكار بخطاب مثمر مبني على منهجية علمية دقيقة، ولعب دورًا فاعلًا في بناء العقول وتحصينها من خلال الرصد المستمر والوصول المباشر إلى الأطفال لتقديم الحقيقة عن الدين والهوية والوطنية. وأشارت الدكتورة رهام إلى المبادرة المؤثرة التي أطلقها المرصد قبل عامين تحت عنوان "اعرف أكثر"، والتي شهدت إقبالًا واسعًا من الأطفال، وقدّمت موضوعات متنوعة تتعلق بمقاصد الشريعة الإسلامية وغيرها من القضايا الفكرية، كما حرص المرصد على الوصول إلى المدارس عبر زيارات متكررة بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم، لبناء جسر مستدام مع الأطفال وتأسيس علاقة قائمة على أهمية الثقافة التعليمية في بناء الوعي وإعمال العقل. واستشهدت بما ذكره عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" الصادر عام 1938، حين أكد أن محو الأمية لا يعني محو أمية القراءة والكتابة فقط، وإنما محو أمية الفهم، لأن من لا يفهم يصبح أسيرًا لمن يقدمون له فكرة منقوصة أو محوّرة ويمتلكون بها عقله. وفي ختام مشاركتها، طرحت الدكتورة رهام عبدالله سلامة رؤيتها لخارطة الطريق الإقليمية لتفعيل توصية اليونسكو بشأن التعليم من أجل السلام وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة، مرتكزةً على سبعة عناصر أساسية، هي: وضع إطار عربي للثقافة الدينية المعتدلة كمصدر للتنوير، إنشاء منصة رقمية عربية للوعي، إعداد برنامج تأهيلي شامل للمعلم نفسيًّا وأخلاقيًّا وفكريًّا، تأسيس شبكة للرصد المبكر داخل المدارس، دمج العمل التطوعي في التعليم بهدف مكافحة الفكر المتطرف، وضع مؤشرات عربية لقياس السلام والمناعة الفكرية، وإنشاء صندوق تضامن إقليمي للتعليم القيمي. وقد مثّلت هذه الرؤية خريطة متكاملة تجمع بين البعد الديني والثقافي والتربوي، وتفتح المجال أمام تعاون عربي واسع لتعزيز قيم السلام والوعي وحماية الأجيال الجديدة من الأفكار المتطرفة. اقرأ أيضا | في 10 خطوات .. نرصد مراحل تطوير دار الإفتاء للصمود 130 عامًا في وجه العدوان الفكري