لا شيء يوازى حبى للسيارات فى هذا العالم. لم أجد نفسى يومًا فى السفر، ولا أبهجتنى ولائم الطعام، ولا استهوانى صخب مباريات المصارعة. لدى هوايات كثيرة، نعم، لكنها عابرة، تشتعل داخلى ثم تنطفئ بانطفاء وقتها، وما أكثر متع الحياة التى تأتى وتذهب. لكن تبقى السيارات فى موضع آخر، لا تنافسها هواية ولا يضاهيها شغف، إنّها عشقى الأول والأبقى: قيادةً واقتناءً، بيعًا وشراءً، تجربةً واحتضانًا، منذ أكثر من خمسةٍ وعشرين عامًا، حين امتلكت أول سيارة، لم يغمض لى جفن تلك الليلة، كنت كمن يملك الدنيا بين يديه، كانت شوارع القاهرة أضيق من أن تتسع لخطواتى، منذ تلك اللحظة، التصق قلبى بعالم السيارات، فلا لامنى أحد ولا استطاع أن يوقفنى شيء. صحيح أنّ العشق قد يُنهك صاحبه أحيانًا، فبعضه يجرّ الحزن أو يطفئ نور الوجه ويضعف الجسد، لكن حب السيارات مختلف، هو عشق يلتهم المدخرات بلا رحمة، ويقودك أحيانًا إلى الدَّين والسلف، حتى من أقرب الناس... من زوجتى نفسها، ومع ذلك، لم أندم يومًا، فما يأخذه هذا الحب من جيبى، يعيده إلى قلبى أضعافًا مضاعفة. ربما كانت البذور الأولى فى الطفولة، حين كنت أمتطى جرار جدى عبد الحفيظ، أو ذاك الذى كان يملكه جدى عثمان أبو الحاج حسن. كنت أعبث به دون وعى، غير مدرك أن ما أفعله عبثًا سيكبر معى ويصبح شغفًا لا يفارقنى حتى اليوم. ورغم هذا، كثيرًا ما ألوم نفسى على الإفراط. ذات مرة سألت أحد المشايخ: هل ما أفعله إسراف؟ فأجاب: «كل شيء يندرج تحت قوله تعالى: ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين»، ثم أردف مطمئنًا: «احمد الله أنك لست عاشقًا للنساء، ولا محبًا للخمر، ولا لسهر الليالي»، هدأت نفسى قليلًا، لكنى ظللت أردد بينى وبين نفسي: نعم، أنا مسرف، والله لا يحب المسرفين. هذا العشق لم يكن الوحيد فى حياتى، قبل السيارات، كنت مولعًا بالهواتف المحمولة، أذكر منتصف الألفية، حين كنت مبهورًا بهواتف «سوني»، كانت تحفة تكنولوجية تبهرنى فى كل تفاصيلها، لم يطل الأمر كثيرًا حتى تحولت الهواية إلى عمل، فأنشأت موقعًا إلكترونيًا، وصرت أستثمر قدرات الهاتف المحمول فى عملى على مواقع التواصل الاجتماعى، لكن الزمن تغيّر، ومعه تغيّرت الربحية، فانتقلت إلى تجارة السيارات، فهى وحدها التى أثبتت أنها ليست مجرد تجارة، بل حياة تبعث البهجة فى داخلى. السيارات بالنسبة لى ليست آلة، بل هى حكاية عمر، هى ملاذ من ضيق الحياة، ومتنفّس يزيح عن صدرى ثقل الأيام، هى الفن والجمال والحرية، وهى العشق الذى لم ينطفىء ضوؤه، ولم تقدر السنوات على كسره. إن سألتنى عن الحب الأول والأخير فى حياتى، سأجيبك بلا تردد: السيارات... ثم السيارات... ولا شيء غير السيارات، لذا قررت منذ سنوات أن أصبح تاجر سيارات، فما عادت صاحبة الجلالة كما كانت، يكفى أن الحرية فى ركوب السيارات أرحب كثيراً.