يؤكد الدكتور مصطفى الروبى أن سياسات الدولة الداعمة للأسطول البحري الوطني باتت جزءًا أصيلاً من رؤية مصر 2030، خاصة مع إدراك الدولة لأهمية امتلاك أسطول قادر على مواكبة التحولات العالمية في النقل البحري. ويشير إلى أن خطة التطوير تعتمد على ثلاثة محاور رئيسية تتمثل في تحديث الموانئ البحرية، وتعظيم قدرات الأسطول المصري، وبناء شراكات استراتيجية مع كبرى الشركات الدولية، وهو ما توضحه الوثيقة الاستراتيجية للموانئ 2030 التي تستهدف تمكين الأسطول الوطني من نقل 25% من حجم التجارة الخارجية لمصر بحلول نهاية العقد. ويُوضح أن الدولة وضعت هدفًا واضحًا لتوسيع الأسطول إلى 36 سفينة بحلول 2030 بطاقة نقل تصل إلى 25 مليون طن من السلع الأساسية سنوياً، إلى جانب تداول نحو 40 مليون حاوية، مع التركيز على رفع كفاءة الأسطول الحالي الذي ما زال محدودًا مقارنة بحجم التجارة المتنامي. ولهذا تعاقدت مصر بالفعل على أربع سفن حديثة من أكبر الترسانات العالمية لتعزيز القدرات التشغيلية. ويؤكد الروبى أن الإطار القانوني يشهد تطورًا متسارعًا، حيث تعمل الحكومة على إعداد مشروع قانون شامل لتنظيم النقل البحري، بالتوازي مع تحديث لوائح الاستثمار وقوانين الموانئ. كما يشير إلى أن الدولة اعتمدت بالفعل حوافز قانونية مهمة، أبرزها ما نص عليه قانون الاستثمار (72 لسنة 2017) من إعفاء مشروعات النقل البحري في المناطق الحرة من شرط جنسية مالكي السفن أو طواقمها، مما يفتح الباب أمام جذب رؤوس أموال أجنبية. ويضيف أن التعديلات التي تمت على قانون التجارة البحرية سمحت بتسجيل السفن المصرية وفق نظم أكثر مرونة – من بينها نظام الإجارة – وهو ما يساهم في توسيع الأسطول الوطني وتعزيز القدرة على جذب السفن الأجنبية للتسجيل تحت العلم المصري. ويُوضح الروبي أن التطبيق العملي لهذه الإصلاحات القانونية انعكس بالفعل على أرض الواقع، إذ شهد شهر نوفمبر 2025 رفع العلم المصري على سفينتين جديدتين في موانئ الإسكندرية ودمياط، في خطوة اعتبرتها الدولة جزءًا من استراتيجية تعزيز مكانة العلم المصري وتطوير منظومة التسجيل. كما يؤكد أن الدولة تقدم حوافز متنوعة تشمل تسهيلات تسجيلية وإعفاءات جمركية بهدف استقطاب سفن أجنبية للعمل تحت العلم الوطني، إلى جانب إطلاق خطوط ملاحية جديدة تسهم في تعزيز دور مصر في حركة التجارة الإقليمية والدولية. ويشير الروبى إلى أن السياسات الاقتصادية القائمة تستند إلى المزايا الجغرافية لمصر باعتبارها نقطة ارتكاز في الشبكات العالمية للتجارة، حيث تمر عبر موانئها ما يقارب 90% من تجارة البضائع العابرة. ومن هذا المنطلق تتجه الدولة إلى تعزيز شراكاتها مع الشركات العالمية، ومن بينها إعلان شركة «ميرسك» العالمية توسيع استثماراتها في مصر بعد نجاح تعاونها مع هيئة قناة السويس. ويضيف أن حجم الاستثمارات في تطوير البنية التحتية الملاحية تجاوز 230 مليار جنيه منذ 2014، ما يعكس التزام الدولة بتحديث منظومة النقل البحري وربط الموانئ بشبكات لوجستية حديثة تدعم النقل متعدد الوسائط. وفي الوقت نفسه يؤكد الروبي أن القطاع البحري ما زال يواجه عدة تحديات، أبرزها التكلفة المرتفعة لتمويل السفن مقارنة بقدرات الشركات الوطنية، إلى جانب المخاطر الجيوسياسية التي تتطلب تشريعات مرنة ومعايير أمنية وبيئية صارمة. كما يشير إلى أن الأسطول المصري الحالي لا يستوعب أكثر من 1.743 مليون طن، وهو رقم لا يتناسب مع حجم حركة التجارة والحاويات العابرة، مما يعكس حجم التوسع المطلوب خلال السنوات المقبلة. ومع ذلك يرى الروبى أن الفرص المتاحة أمام القطاع البحري كبيرة، خاصة مع اتساع نطاق الاتفاقيات التجارية مع دول البحر الأحمر وإفريقيا، والمشروعات المشتركة ضمن مبادرة «الحزام والطريق»، إضافة إلى الفرص المرتبطة بصناعة الغاز الطبيعي وناقلاته، وتنامي الطلب على السياحة البحرية. كما يؤكد أن التحول العالمي نحو سفن صديقة للبيئة يمثل فرصة للشركات المصرية لدخول هذا المجال، إلى جانب برامج تدريب الكوادر البحرية التي تدعم بناء أسطول وطني حديث قادر على المنافسة. ويختتم الدكتور مصطفى الروبى بأن الدولة تسير بخطوات ثابتة نحو تعزيز دور مصر البحري، وأن الإصلاحات القانونية والاستثمارات الكبرى والمشروعات اللوجستية المتكاملة تجعل من تطوير الأسطول البحري أحد أهم محاور دعم الاقتصاد الوطني خلال السنوات القادمة.