«إبراهيم ليس فيستون».. في قلب الكونغو الديمقراطية، وتحديدًا في مدينة مبوجيمايي، وُلد إبراهيم كالالا ماييلي يوم 24 يونيو 1997، لأسرة بسيطة يعشق والدها كرة القدم، إذ كان والده حارس مرمى في الثمانينيات بنادي بانتو المحلي ومنذ صغره، التصق بالكرة في الشوارع الترابية، وكانت موهبته واضحة للجميع، لينضم في سن الحادية عشرة إلى نادي «يانج ليدرز» حيث أظهر قدراته التهديفية المبكرة، مسجلًا 10 أهداف وصانعًا 5 تمريرات حاسمة، لكن الحلم واجه أول اختبارٍ قاسٍ حين داهمته إصابة قوية أبعدته لعامٍ كامل، قبل أن يعود أقوى مما كان، ويبدأ رحلة البحث عن المجد خارج مدينته. ◄ نجم «الإيجيبشن ليج» غيّر وجه بيراميدز.. وصنع تاريخًا محليًا وإفريقيًا وعالميًا ◄ هداف الدوري المصري بدأ من تحت الصفر وقهر الإصابة في عمر الصبا بدأ ماييلى من الصفر مع فريق تشاكويز في دوري الدرجة الثالثة، وسرعان ما لفت الأنظار بتسجيله 17 هدفًا في موسمٍ واحد، لينتقل إلى ليكاسي في الدرجة الثانية عام 2015، وتحت قيادة المدرب رامازاني شاباني، تألق الشاب الكونغولي بصورة مُبهرة، وسجل 22 هدفًا فى 16 مباراة فقط، قبل أن ينهى الموسم التالي كهداف الدوري ب 24 هدفًا، وتلك الأرقام فتحت له باب المجد، فانضم إلى فيتا كلوب، أحد أعرق أندية الكونغو، وهناك كتب أول فصول شهرته الإفريقية. ◄ الفهد يتحرر بقوة في عام 2018 شهد انتقاله الكبير إلى فيتا كلوب بطلب من المدرب فلورنت إيبينجى، حيث واصل هوايته المُفضلة: تسجيل الأهداف، وأحرز 12 هدفًا فى موسمه الأول، ثم 14 هدفًا في الثاني، بينها: 3 فى دورى أبطال إفريقيا، لكن النقلة الحقيقية جاءت صيف 2021 حين انتقل إلى يانج أفريكانز التنزاني، أحد أعظم أندية شرق إفريقيا، ورغم العقبات الأولى بسبب مشاكل فى القيد، إلا أن «الفهد الكونغولي» سرعان ما استعاد بريقه وسجل هدف الفوز في أولى مبارياته أمام الغريم سيمبا في كأس السوبر، وفى موسم 2022-2023، انفجر ماييلى تهديفيًا، فسجل 7 أهداف فى كأس الكونفيدرالية وتصدر ترتيب الهدافين، وقاد فريقه إلى النهائي قبل الخسارة أمام اتحاد العاصمة الجزائري.. لم يكن فيستون ماييلى لاعبًا عاديًا، بل كان شخصية جماهيرية فريدة فى تنزانيا، واحتفاله الشهير بعد تسجيل الأهداف - حيث يهز كتفيه بطريقة مُميزة - جعل الجماهير تلقبه ب «العجوز المهتز»، فى إشارة إلى تلك الرقصة الاحتفالية الغريبة التى أصبحت علامة مُسجلة باسمه، ورغم غرابة اللقب، إلا أن وراءه لاعبًا متواضعًا يصف نفسه ب«ابن الحكمة»، إذ أن اسم «ماييلي» فى اللغة السواحيلية يعنى الحكمة، ويقول ماييلي: «كنت أتقاضى 200 دولار فقط فى بداياتى لكن قيمتى الحقيقية ليست فى المال، بل فى حب الجماهير واحترامهم لى.» ◄ اقرأ أيضًا | بيراميدز يكشف تفاصيل الأزمة المثارة بين النادي وعدد من لاعبي قطاع الناشئين ◄ رحلة الإيمان والاحتراف في العام الماضى، أعلن ماييلى اعتناقه الإسلام، واتخذ اسم «إبراهيم»، ليبدأ فصلًا جديدًا فى حياته داخل وخارج الملاعب.. ويقول: «وجدت فى الإسلام طمأنينة كبيرة، وكنت محاطًا بزملاء رائعين ساعدونى على اتخاذ القرار». جاءت الخطوة بعد أشهر قليلة من انضمامه إلى بيراميدز، النادى الذى وجد فيه بيئة احترافية كبرى. ◄ الإصابات تدفعه للمجد! انضم إبراهيم ماييلى إلى بيراميدز في صيف 2023 مقابل 750 ألف دولار، ليصبح أحد أبرز صفقات الموسم في الدوري الممتاز، بينما سعره الحالى يقرب من 2 مليون يورو حسب موقع «ترانس فير ماركت» لإحصائيات اللاعبين والأندية بشكل عام، وهو من أغلى لاعبى الفريق فى الوقت الحالي.. ورغم بدايته التى تخللتها إصابة بسيطة فى فترة التحضير، إلا أنه سرعان ما أصبح «القاطرة الهجومية» للفريق السماوي. أنهى موسمه الأول ب21 هدفًا فى 41 مباراة و5 تمريرات حاسمة، وقاد بيراميدز إلى التتويج بأول بطولة فى تاريخه عندما سجل هدف الفوز على نادي زد في نهائي كأس مصر 2024. وفي الموسم التالي، كتب اسمه بحروف من ذهب، بعدما قاد بيراميدز للتتويج بدوري أبطال إفريقيا 2025، محققًا إنجازًا تاريخيًا، إذ سجّل فى النهائى أمام ماميلودى صنداونز، وأنهى البطولة كهدافها برصيد 6 أهداف. ◄ من جدة إلى مكة لم تتوقف الحكاية هنا، ففى أكتوبر 2025، خطف إبراهيم ماييلى الأضواء من جديد بعد تسجيل هاتريك تاريخي في مرمى أهلى جدة خلال كأس الإنتركونتيننتال، ليقود بيراميدز إلى فوزٍ كبير على أحد أقوى فرق آسيا، وذلك الهاتريك جعله أول لاعب يحقق هذا الإنجاز في النسخة الجديدة من البطولة، وواحدًا من أكثر المهاجمين فاعلية فى القارة الإفريقية، وبعد المباراة، أدى ماييلى مناسك العمرة شكرًا لله على التوفيق، فى مشهد مؤثر جسّد تحوّله الإنساني والإيماني العميق. وفي الموسم الحالى افتتح اللاعب انطلاقته بالتتويج بلقب السوبرالإفريقي للمرة الأولى تاريخيًا لبيراميدز، وذلك على حساب نهضة بركان المغربي، في نهائي حسمه «الفريق السماوي» بهدف دون رد، وسجله «الدبابة» إبراهيم ماييلي. ◄ ما بين الصعوبات والحكمة لم تخلُ حياة ماييلى من الأزمات، فقبل شهور من انضمامه لبيراميدز، تعرض لسرقة مبلغ كبير من منزله بالقاهرة، بلغ نحو 30 ألف دولار، على يد أحد العاملين لديه، كما تحدّث عن مروره بفترة توتر نفسى وخلافاتٍ أسرية مع والدته قبل أن يصالحها لاحقًا قائلًا: «ذهبت لطبيب نفسي، شعرت أن الأمور تفلت من يدى، لكن زيارة أمي لمصر أصلحت كل شىء. أحيانًا يكون الشر خيرًا». هذه الصراحة والصدق مع الذات جعلت الجماهير تحترمه أكثر، ليس فقط كمهاجم فتاك، بل كإنسان ناضج مر بتجارب صنعت منه مقاتلًا أكثر حكمة. ◄ الفهد الذي لا يهدأ رغم الشائعات التى ربطت ماييلي بالانتقال لأندية أخرى إفريقية ومصرية من بينها: النادي الأهلي، إلا أن المهاجم الكونغولي أكد التزامه بعقده مع بيراميدز الذي على أوشك على الانتهاء في الصيف المقبل، قائلًا: «مازال أمامي الكثير لأقدمه، هذا النادي آمن بي، وسأرد الجميل بالألقاب».. لكن في كل الأحوال بدأ بيراميدز في محاولة إنهاء ملف التجديد مع اللاعب قبل خطفه من قلب بيراميدز سواء للأهلي الذي يريده بقوة لتعويض أزمة المهاجم بعد رحيل وسام أبو علي لأمريكا.. ويملك إبراهيم ماييلي كل المقومات ليصبح أحد أعظم المهاجمين في تاريخ بيراميدز، وربما في الكرة الإفريقية الحديثة: السرعة، القوة، الحسم، والإيمان، ومن لقب «العجوز» إلى هداف إفريقيا وبطل العرب وآسيا، كتب إبراهيم ماييلي قصته بعرقٍ وإصرارٍ وإيمانٍ لا يتزعزع، وقد يكون لقبه في الملاعب «الفهد»، لكن الحقيقة أن ماييلي هو أكثر من مجرد مهاجم.. إنه قصة كفاح حيّة، من شوارع مبوجيمايي إلى منصة التتويج القاري، ومن الرقص بعد الأهداف إلى السجود شكرًا لله.. إنه ببساطة: ابن الحكمة الذي علّم القارة أن العمر في كرة القدم لا يُقاس بالسن، بل بالعزيمة.