في عالم الأدب، هناك أصواتٌ قليلة تمتلك القدرة على الغوص بنا فى أعماق الظلام لتُخرج لنا عوالم من الرعب والغموض، واستكشاف أعمق مناطق اللاوعي الإنساني، الكاتب المبدع خالد أمين هو بلا شكّ أحد أبرز هذه الأصوات في المشهد الأدبي العربي المعاصر، تجاوز "أمين" مجرد سرد القصص المخيفة؛ لقد أسس مدرسةً قائمةً بذاتها في هذا النوع الأدبي، تتسم بالعمق الفلسفي والاجتماعي إلى جانب التشويق المرعب. أعماله ليست مجرد قراءات عابرة، بل هي رحلات نفسية تدفع القارئ إلى مواجهة ظلاله الداخلية وأشد مخاوفه خفاءً. فى هذا الحوار نقترب من خالد أمين عبر روايته الأحدث "عيون الأفعى"، الصادرة عن دار دوّن للنشر، ونفتح معه صفحات الرعب والغموض والإثارة .. ◄ في "عيون الأفعى"، ما الفكرة المحورية، ولماذا اخترت الأفعى رمزاً في العنوان؟ هناك عدة أفكار دارت بذهني فيما يخص رواية "عيون الأفعى"، أحدهم كان أقتباس ل"كارل يونج" عالم النفس الشهير: "ولسوف يأتي عليك وقت يسألك فيه العالم من أنت ؟ ولو لم تمتلك إجابة فلسوف يمليها عليك العالم"، لأن جزء من الرواية عما سيحدث لو فقد أنسان هويته وتشكك في كل شيء حوله، ومن هنا أتت فكرة المحقق المصاب ب"البارانويا" والهلاوس، والجريمة المروعة التي يحقق بها، كما أني أردت ببساطة كتابة رواية رعب ممتعة قادرة على جعل القاريء يصرخ ويضحك ويبكي بصوت عال، أما سبب أختيار الأفعى، فلأننا نمتلك رعبا غريزيا هائلا منها. ◄ ما العمق النفسي أو الفلسفى الذى تراه وراء الخوف البشرى القديم من الظلام والمجهول؟ لماذا نحلم ؟ ولا نتذكر أبدًا بداية أحلامنا، هل الخوف موروث في وجداننا الجمعي؟ هل نخاف الظلام لأن رجل الكهف كان يختبيء في الكهف عند حلول الظلام هربًا من الحيوانات البرية، حاولت قدر الأمكان أستكشاف كل أنواع الخوف في الرواية. ◄ تعتمد على التشويق النفسى والغموض العميق، كيف حافظت على هذا التوتر حتى النهاية الصادمة؟ لجأت للموسيقى والسينما الصامتة والمسرح والروايات الكلاسيكية كموود للتحضير، الموسيقى كانت أهم دور إبان الكتابة، التشويق يعتمد على أعطاء المعلومة للقاريء قبل الشخصية، والغموض يفعل العكس، وكما قال هيتشكوك عليك العزف بين الأثنين بتناغم، وبيني وبينك، أعتقد أن لصوت "طاك طاك طاك" الذي يصدره موسى في الرواية قبل أرتكاب كوابيسه دور فعال في توصيل درجة التشويق النفسي. ◄ الشخصيات في الرواية تحمل ماضياً معقداً، كيف بنيت هذه الشخصيات المعقدة خاصة "داغر"؟ كان هناك تحدي بالنسبة لي وهو كتابة رواية بها شجرة الدر وراسبوتين والسندباد وآرثر كونان دويل وقاسم أمين وريا وسكينة، وألا يتعجب القاريء من تواجد تلك الشخصيات في الخلفية، هذا هو مبدأ الأحلام، أنت لا تنتبه لمدى غرابة ما تراه في الحلم إلا عندما تستيقظ، أما وقد أشرت لتلك الجزئية، لكي أكون صادق معك الشخصيات هي التي وجدتني، فهناك "شهد" راقصة بالية من العشرينات، وغيرها من الشخصيات كان على أن أخوض رحلة ماضي وتاريخ كل شخصية، أما بالنسبة لداغر، فهو رجل على حافة الجنون، يشك في كل شيء، لكن ماذا لو كان محق؟ لا أعلم أن كان يجب علي قول هذا أم لا ، لكن بناء شخصية داغر تتطلب مني أستكشاف أبعاد عدة للجنون، أنت تكتب عن رجل يؤمن أن الكل يراقبه، ثم يتضح أنه محق. ◄ اقرأ أيضًا | نوري بيلجي جيلان يروي تأثير رواية توفيق الحكيم على تجربته الإبداعية ◄ ما الدور الذي يلعبه المكان في روايات الرعب لديك؟ المكان دومًا يمثل شخصية مستقلة في الأحداث؛ قد يكون هذا المكان بيتا أو قصررا أو باخرة أو بناية، لكن الأماكن تحمل رائحة وذكريات وشخصية لا يمكن أن ننكرها أبدًا، وفي " عيون الأفعى" المدينة كانت هي المكان الذي يلعب دور شخصية مستقلة، و"البارانويا" كذلك، حاولت جعلها شخصية مستقلة. ◄ ما سر الحروف المشفرة ( ض ن ن ح ,, ي ن س ي ء ا .. ف ف ) وما أهميتها؟ تلك جملة صاح بها القبطان قبل موته، خلال عاصفة ورياح عاتية، وبشكل ما سمع "داغر" الجملة مبعثرة الأحرف، لو حللت تلك الجملة ورتبت الحروف ستصل إلى حل اللغز الكابوسي في المدينة، وقلبي يدين بتلك الفكرة للكاتبة "أغاثا كريستي"، والمخرج الأيطالي "داريو أرجينتو". ◄ كيف تطورت علاقتك بأدب الرعب، وما أنواع الرعب التي تفضلها؟ وقعت في غرام أدب الرعب في الأبتدائية؛ عندما قرأت "جيكل وهايد" لستيفنسون، و"دراكولا" لستوكر، و"فرانكشتاين" لماري شيلي، وقعت أيضًا في غرام أدب الغموض في نفس الفترة بسبب روايات أغاثا كريستي وشخصية بوارو، وروايات هولمز ولوبين، العلاقة تتبدل وتتخذ أشكالا عدة بين الغموض والرعب النفسي والرعب ما ورائي والتشويق والخيال العلمي، أحب كل الأنواع وستجدني دومًا أبغى أستكشافهم ، ودومًا بنكهة الغموض. ◄ ما هي مصادر إلهامك الرئيسية في الكتابة؟ مصادر الالهام تختلف من عمل لآخر، أحيانًا تطرح على نفسك سؤالا: ما الذي سيحدث لو؟، لو رأيت رجلا في مقابلة عمل مثلًا وتتساءل ما الذي سيفعله لو تخلص من ربطة عنقه وصرخ بمكنون صدره وترك الوظيفة وأختفى ثم عاد بعد أعوام شخصا آخر تمامًا؟، أين كان وماذا فعل؟ وأحيانًا تقرأ عملا أو تشاهد فيلما يثير لديك حاسة الفن ، " لا بد أن أفعل شيئا بخصوص ما قرأت أو شاهدت "، وأحيانًا أسمع مقطع موسيقيا وتجدني أهرع لأكتب مشهدا يلائم هذا المقطع فحسب. وأحيانًا أستمد من الاساطير الاغريقية وشكسبير والف ليلة وليلة ، أحيانًا مما يحدث حولنا، يختلف الأمر من رواية لأخرى، لكن مصدري الالهامي دومًا للكتابة هو القراءة اليومية.