في زمن تتشابك فيه الحقائق بالوهم، وتصبح الجرائم مادة يومية في نشرات الأخبار، اختارت الكاتبة المصرية ميرنا المهدي أن تحول خوفها من العنف إلى طاقة إبداع، وأن تجعل من الدماء حبرًا لكتابة العدالة. ميرنا المهدى واحدة من أبرز الأصوات الجديدة في أدب الجريمة والتشويق في العالم العربي، تمتلك ثماني روايات تخاطب وجدان القارئ الباحث عن الحقيقة المفقودة، وتعيد إليه إحساسه بالإنصاف الذي يغيب كثيرًا في الواقع. خلال مشاركتها في معرض الشارقة الدولي للكتاب بدورته ال 44، أجرى "اليوم السابع" معها حوارا، تحدثت من خلاله عن بداياتها، وشغفها بعالم التحقيق والغموض.. إلى نص الحوار..
بداية، من أين بدأت علاقتك بالكتابة.. وكيف تشكل وعيك الأدبي؟ بدأت علاقتي بالكتابة منذ الطفولة، كنت أشارك في مسابقات القصة القصيرة وأنا في التاسعة من عمري، بدعم من أسرتي ومدرسي، لم تكن الكتابة هواية عابرة، بل جزءًا من تكويني وشخصيتي منذ الصغر.
اتجهت مبكرًا إلى أدب الجريمة فهل كان الخوف دافعًا لهذا الاختيار؟ بالفعل، كنت في مرحلة المراهقة أخشى الدم والعنف بشدة، ونصحتني الأخصائية النفسية بالكتابة عن مخاوفي، فكانت قصص الجريمة وسيلتي في مواجهة هذا الخوف، وتحول الرعب إلى خيال، والخيال إلى حرفة وإبداع.
الكتاب الذين شكلوا وعيك بهذا اللون الأدبي؟ وهل كانت أجاثا كريستي بينهم؟ رغم إعجابي الشديد بأجاثا كريستي، إلا أن أكثر من أثر في هو البلجيكي جورج سيمنون، مبتكر شخصية المحقق الفرنسي ميجري، لأنه يغوص في أعماق النفس الإنسانية أكثر من تركيزه على الجريمة ذاتها.
يقال إن أدب الجريمة يحتاج إلى دقة علمية.. هل تعتمدين على البحث قبل الكتابة؟ بالتأكيد لا يمكن كتابة هذا النوع دون دراسة متعمقة، أمتلك مراجع في الطب الشرعي والتحقيقات الجنائية، وأتابع باستمرار الأبحاث الحديثة، فالكاتب هنا أشبه بالمحقق، يفتش في التفاصيل قبل أن يسردها.
كيف تصفين المجرم في الرواية المصرية مقارنة بنظيره في الأدب الغربي؟ المجرم المصري مختلف تمامًا، لأن البيئة الاجتماعية مختلفة، جرائمنا في الغالب عشوائية وغير مخططة بعكس الغرب، أحب أن أقدم المجرم كما هو في واقعنا المحلي، بعيدًا عن الصورة النمطية للمحقق الأوروبي الأنيق.
حدثينا عن أولى تجاربك في النشر.. وكيف واجهت رفض الناشرين؟ أول رواية لي كانت قضية سد الخزان وكتبتها في التاسعة عشرة، واجهت رفضًا واسعًا لأن فكرة فتاة تكتب أدب الجريمة لم تكن مألوفة، لكن إصراري جعلني أواصل حتى تحقق النشر والنجاح لاحقًا مع دار الكرمة.
ومتى بدأ الجمهور يتعرف على أعمالك؟ التحول الحقيقي جاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لم أكن نشطة عليها، لكن القراء صنعوا وجودي هناك، فجأة وجدت رواياتي تتصدر الحديث على الإنترنت، وارتفعت المبيعات بشكل غير متوقع.
كيف أسهمت دراستك في كلية الألسن في تشكيل شخصيتك الأدبية؟ أنا خريجة قسم دراسات مالية وأعمل في مجال تقييم المخاطر، وهذا أكسبني مهارة التحليل والتفكير المنطقي، وهي عناصر أساسية في كتابة الجريمة، لأن الرواية تقوم على تحليل الدوافع والأسباب الخفية وراء الأفعال.
في رأيك.. ما سر انجذاب القارئ العربي إلى روايات الجريمة؟ الناس تبحث عن العدالة فى روايات أدب الجريمة، ففي الحياة قد يفلت المجرم، أما في الأدب فالحقيقة تظهر في النهاية مهما كانت مظلمة.
هل تفكرين في تحويل رواياتك إلى الدراما أو السينما؟ أتمنى ذلك، لكن بشرط الحفاظ على روح النص، وقد رشحت بعض أعمالي للدراما، غير أنني أرفض أي تعديل يحولها إلى كوميديا أو يفرغها من جوهرها الأصلي.
كيف وجدت تفاعلك مع الجمهور الإماراتي خلال معرض الشارقة؟ كانت تجربة مؤثرة جدًا، فوجئت بقراء جاءوا من دبي إلى الشارقة فقط لحضور توقيعي، وهو شعور لا يوصف، التفاعل كشف لي أن أدب الجريمة العربي بدأ يجد مكانه الحقيقي بين القراء.
هل هناك نية لترجمة أعمالك إلى لغات أخرى؟ بالتأكيد، فالترجمة نافذة أساسية للوصول إلى العالم، لكنني أفضل أن يتولى المهمة وكيل أدبي محترف لضمان نقل روح النص كما هي.
ماذا ينتظر جمهورك في المرحلة المقبلة؟ أستعد لإطلاق رواية جديدة في معرض القاهرة الدولي للكتاب المقبل، وأعتبرها نقلة نوعية في أسلوبي وموضوعي.
كلمة أخيرة لجمهورك؟ أقول دائمًا إن القراء هم شركائي في النجاح، فكل كلمة أو مشاركة من أحدهم كانت سببًا في أن أواصل طريقي بثقة وشغف. الروائية ميرنا المهدى وأحمد منصور