عندما وقعت عملية «طوفان الأقصى» فى السابع من أكتوبر 2023، لم يتوقع أكثر المتفائلين تشددًا أن تستمر حكومة نتنياهو فى السلطة لأبعد من شهور قليلة يقوم خلالها نتنياهو بعمل عسكرى يحفظ ماء وجهه ويخفف وطأة تحمله لمسئولية أكبر وصمة فى التاريخ الإسرائيلى. لكن نتنياهو فاجأ الجميع، عندما وظف الأمر لصالحه فأطال أمد الحرب ووسع رقعتها الجغرافية فى محاولة لتحويلها من وصمة عار لنصر وإنجاز يُحسب له، بعد إطاحته برؤوس حركة حماس وإضعافه لحزب الله وتوغله فى لبنان وسوريا وإقناعه لأمريكا بضرب البرنامج النووى الإيرانى. كما أنه استخدم الحرب كذريعة لتعطيل محاكمته بتهم فساد مالى وسياسى تطارده، وتهدد بالإطاحة به من السلطة التى تربع عليها 16 عاماً (غير متتالية)، والزج به فى السجن لسنوات. لكن حسابات نتنياهو ارتبكت عندما اصطدمت برغبة الرئيس الأمريكى ترامب فى وقف الحرب وإحلال السلام فى الشرق الأوسط ليضيف ذلك لسجل نجاحاته الدبلوماسية ويعزز صورته كصانع للسلام. فاضطر نتنياهو لقبول خطة ترامب والتوقيع على اتفاق من 3 مراحل ينتهى بوقف دائم وتام للحرب وإطلاق مفاوضات فلسطينية - إسرائيلية حول حل دائم مع وعد ب «مسار واقعى نحو دولة فلسطينية مستقلة ومنزوعة السلاح». طأطأ نتنياهو رأسه لرياح ترامب التى كانت ستعصف به لو تجاسر على تحدى إرادته وإحراجه، لكنه يفعل ما بوسعه لوضع العصا فى العجلة وتجميد الاتفاق عند المراحل التى تفيده، لأنه يعلم أنه مع وضع الحرب أوزارها سيعود شبح محاكمة تهم الفساد، وسيكون عليه الخضوع للمحاسبة على التقصير، قياساً لما حدث مع جولدا مائير، التى قُدمت للمحاكمة واستقالت بعد هزيمة إسرائيل فى حرب أكتوبر 1973. لهذا يسعى نتنياهو لإبقاء الاتفاق على جهاز الإنعاش: حياً نعم، إرضاء لترامب، لكن دون حركة. وسيكون علينا فى المقابل دفع الاتفاق بكل السبل، وإذكاء حماس الرئيس الأمريكى لإنجاح خطته للسلام فى الشرق الأوسط والتى يمكن أن تكون أكبر إنجازاته، ومطيته لجائزة نوبل.