كانت القاهرة تلك الليلة تشبه مشهدًا من فيلمٍ نادر الجمال؛ ضوءٌ ذهبى يتراقص فوق الوجوه، وموسيقى تمتزج بصوت العدسات فى سيمفونية من الحنين والفخر؛ بدا مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، كأنه احتفال بالحياة فى وجه كل ما هو عابر، وعودة راقية إلى روح الفن التى لا تعرف الانكسار؛ وفى قلب هذا المشهد، وقف الفنان حسين فهمى بثقته الهادئة وأناقة حضوره، ممثلًا جيلًا آمن أن الفن رسالة لا وظيفة، وأن السينما، مهما تبدلت الأزمنة، تظل مرآة الوعى وذاكرة الأمة. لم تكن كلمة افتتاح رسمية لمهرجان عريق، بل كانت أقرب إلى بيان ثقافى يعيد تعريف معنى الفن ودوره فى نهضة الوعى، تحدث حسين فهمى بعقل المفكر وصدق الفنان، واضعًا أمام الحضور رؤيةً واضحة مفادها أن السينما ليست زينة المشهد الثقافى، بل جوهره النابض بالحياة، وأن الفن إذا فقد مسئوليته فقد مبرر وجوده؛ وبدا كأنه يستدعى تاريخ السينما المصرية بكل مجدها ليعلن أن القاهرة، رغم كل ما مرت به من تحدياتٍ، ما زالت قادرة على صنع المعجزات بإرادتها وعملها. حفل الافتتاح فى جوهره كان احتفاءً بمصر نفسها، بتاريخها وإبداعها، وبكل من آمن أن الثقافة هى الطريق الأجمل نحو المستقبل؛ ليلةٌ راقية فى كل تفاصيلها؛ من وقار الكلمة وصدق التعبير، إلى الإبهار البصرى الهادئ البعيد عن المبالغة، لم يكن الحضور مجرد مشهد احتفالى، بل كان عرضًا رمزيًا لرحلة الفن المصرى: جيل يسلم الشعلة لجيل، وأسماء تلمع على شاشة الوطن، مما يؤكد أن مصر لا تقدم مهرجانًا وحسب، بل تقدم صورة من ذاتها الثقافية المشرقة. جاءت كلمة د. أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة لتُكمل هذا البناء المعنوى، إذ ربط بين السينما والمتحف المصرى الكبير، فى استعارة بليغة جعلت من الفن السابع مرآة للخلود المصرى؛ وحديثه عن الإنسان المصرى الذى يجعل من الحجر روحًا، ومن الصورة خلودًا، كان امتدادًا لفكرة النهضة التى طرحها حسين فهمى؛ فكلاهما يرى فى الإبداع شكلًا من أشكال المقاومة، وفى الثقافة طريقًا نحو البقاء والتميز. إن القاهرة لم تفتح فقط مهرجانًا، بل فتحت صفحة جديدة فى علاقة الوطن بالسينما، صفحة عنوانها: «الإنسان أولًا»، ومضمونها أن الفن حين يُدار بالوعى والحب يمكنه أن ينهض بالأمم؛ فشكرًا لحسين فهمى، لأنه قدّم لنا درسًا فى الرقى، وفى معنى أن يكون الفن وجهًا ناصعًا للوطن.