■ بقلم: د. عبدالراضي البلبوشي يعكس افتتاح المتحف المصري الكبير العمق التاريخى للحضارة المصرية، ورؤية القيادة الحكيمة فى عرض تراثها الثقافى، حيث يجمع بين الآثار القديمة والتكنولوجيا العصرية. فهو ثالث المتاحف المصرية من حيث النشأة بعد «المتحف المصري» بالتحرير و«متحف الحضارة» بمنطقة الفسطاط، لكنه أكبرها على الإطلاق، بل يُعد أكبر المتاحف الأثرية فى الشرق الأوسط وإفريقيا، والأضخم عالميًا لحضارة واحدة. وقد تجلّت الرؤية الحكيمة فى طريقة صناعة جهود تسويقية وترويجية وإعلامية ضخمة، انطلقت من رؤى علمية وخطط وأجندة وطنية خالصة، شاركت فيها كافة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، إلى جانب الشعب بكل طوائفه، ليكون جزءًا من صناعة حدثٍ تاريخى يعيد لمصر مكانتها الحضارية، ويُتيح لها أن تكون وجهة ثقافية متميزة. كما أسهم ذلك فى ترسيخ سمعتها الحضارية كوجهة سياحية تفرض نفسها بقوة على الخريطة الدولية. لقد نجحت مصر فى إدارة سمعتها بطريقة بهرت دول العالم، إذ شاهد الحدث أكثر من مليارى شخص حول العالم، متبعةً أفضل الممارسات والاستراتيجيات فى إدارة السمعة. فقد تم تأهيل الطرق المُحيطة المؤدية إلى المتحف، ورفع كفاءة المنطقة المحيطة به، وإطلاق مشروع «تحسين المظهر الحضارى للطريق الدائرى» عبر توحيد لون المبانى وتزيينها بصور ملوك الفراعنة، ووضع ملصقات دعائية وشاشات عرض كبيرة فى الميادين العامة، فى إطار تعزيز «الهوية البصرية» للدولة.. إلى جانب ذلك، أصدرت الحكومة مجموعة من العملات الذهبية والفضية تحمل شعار المتحف المصرى الكبير، فى خطوة رمزية تهدف إلى تخليد هذا الحدث فى الذاكرة الوطنية والعالمية. وصاحب هذا الاهتمام الداخلى ترويجٌ واسع عبر السفارات المصرية بالخارج، والتعاقد مع منصة «تيك توك» لبث الحفل مباشرة إلى الجمهور العالمى، فى حدثٍ غير مسبوق من حيث المشاركة الدولية والاهتمام الإعلامى الواسع.. ومن المتوقع أن تجنى مصر فوائد عديدة من وراء السمعة الطيبة التى تحققت عقب هذا الحدث، وفقًا لتقارير الوكالات والمنظمات الدولية. فقد توقعت وكالة فيتش الأمريكية أن يُشكل عمل المتحف بكامل طاقته دفعة قوية لقطاع السياحة فى مصر، مع احتمالات استقباله نحو 5 ملايين زائر سنويًا، وزيادة عائدات القطاع من 17.1 مليار دولار أمريكى عام 2025 إلى 19 مليار دولار أمريكى عام 2029. كما تستهدف مصر وصول عدد السائحين إلى 30 مليون سائح بحلول عام 2031، معوِّلة فى ذلك على المتحف الكبير ومشروعات أثرية وسياحية أخرى تُعزز من مكانتها على الخريطة العالمية.. لقد أدركت القيادة المصرية الحكيمة أهمية بناء سمعة مصر، إيمانًا منها بأن الدولة التى تتمتع بسمعة طيبة تتمتع بمكانة عظيمة فى المجتمع الدولى. لقد ربحت مصر يا سادة.