حيثما تكون الثروات... تكون الأطماع هذه قاعدة لم تتغير فى معادلات القوى الدولية، وإن اختلفت الوجوه وتبدلت الرايات لم تعد الجيوش بالخوذات الحديدية، بل أصبحت أدوات المستعمرين الجدد متمثلة فى العقوبات الاقتصادية، وصفقات النفط. واليوم تطلّ إدارة دونالد ترامب مجددًا بنظرتها الحادة نحو منابع الذهب الأسود، وكنوز الأرض غير المستغلة، فى محاولة لإعادة صياغة النفوذ الأمريكى خارج حدوده المعتادة فنزويلا، الغارقة فى أزمتها، ونيجيريا، عملاق إفريقيا المتململ، باتتا فى مرمى البوصلة الاستراتيجية لواشنطن فهل هى صدفة أن تتزامن تصريحات ترامب عن المخدرات والإرهاب مع تصاعد لهجته تجاه البلدين، أم أن الثروات الطبيعية والبُعد الجيوسياسى هما المحرك الحقيقي. اقرأ أيضًا | المحكمة العليا تعلّق قرارا يلزم إدارة ترامب تمويل المعونات الغذائية خلال الإغلاق الحكومي تحت غطاء «الأمن القومي» و»الحرية»، تتحرك الطموحات القديمة فى ثوب جديد، وها هى نيجيرياوفنزويلا على الخريطة... لا كدول ذات سيادة، بل كمواقع محتملة لسيناريوهات تدخل، وصراع، يعيد إنتاج منطق السيطرة بثوب العصر الحديث. نيجيريا، أكبر دولة إفريقية من حيث السكان، أكثر من 230 مليون نسمة، عضو فى مجموعة دول البريكس، وتُعد قوة نفطية وإقليمية مؤثرة. وفى ظل توجه ترامب نحو إعادة تشكيل العلاقات مع القارة الإفريقية، برزت نيجيريا كموقع محتمل للضغط الأمريكى — سواء اقتصاديًا أو دبلوماسيًا. هناك عدة مؤشرات تدل على هذا الاضطراب، ففى يوليو 2025، أعلنت نيجيريا رفضها القبول بمهاجرين فنزويليين تم ترحيلهم من الولاياتالمتحدةالأمريكية والتى ردت بفرض قيود على تأشيرات على النيجيريين، مما يُعد تحذيرًا ضمن أدوات الضغط. وهو ما يكشف أن واشنطن تستعمل «الترهيب الاقتصادى والدبلوماسي» كوسيلة لإعادة ضبط العلاقة. لكن لماذا نيجيريا؟ الإجابة واضحة وضوح الشمس، فهى تمتلك نفطًا وغازًا، وكذلك خامات حيوية أما مكانتها الإفريقية، فأى تصدع أو تحالف جديد معها قد يعيد تشكيل موازين القوى فى القارة. كما أن رفضها الانصياع لضغوط واشنطن يعكس تحرّكها المستقل وقد يغيّر قواعد اللعبة. لذا وضع المراقبون عدة سيناريوهات محتملة: أولها: التصعيد الاقتصادى من خلال فرض رسوم أو عقوبات على صادرات نيجيريا أو وضع شروط وقيود على استثماراتها. وثانياً: التعلل بملف حماية المسيحيين فى نيجيريا ووضعه ضمن أجندة ترامب، مما قد يُمهّد لتدخل أو دعم عسكري. وثالثا: تقليص النفوذ الأمريكى مقابل بدائل صينية-روسية، فإذا تحولت نيجيريا بشكل أوثق إلى الصينوروسيا، قد تتخذ واشنطن اجراءات مباشرة لتقويض ذلك. أما الموقف مع فنزويلا فهى تحت حكم نيكولاس مادورو تواجه انهيارًا اقتصاديًا وإنسانيًا وأصبحت مسرحًا لتنافس دولى بين واشنطن وموسكو وبكين وقد اتخذ ترامب عدة خطوات حادّة على رأسها أمر رئاسى بفرض عقوبات جمركية بنسبة 25% على الدول التى تستورد النفط الفنزويلي والتهديد بإجراء عمليات سرّية من وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) داخل فنزويلا، مع التلميح إلى احتمال تدخل بري، مع ضربات بحرية لطائرات تهريب مخدرات تدعى واشنطن أن مصدرها فنزويلا، لذا يمكن القول إن نيجيرياوفنزويلا تشكّلان معًا المشروع الأوسع: «إعادة ترتيب النفوذ الأمريكى خارج الحدود التقليدية» فنزويلا فى الغرب، نيجيريا فى الجنوب وكلاهما يعطى ترامب منصة كلامية قوية: من «حماية المسيحيين الأفارقة» إلى «محاربة المخدرات والديكتاتورية فى أمريكا اللاتينية». مهم أيضً الإشارة إلى أنه من خلال التداخل بين البيئة الدولية والموارد الطبيعية والضعف الداخلى للدولتين، تبدو نيجيرياوفنزويلا مرشحتين حقيقيّتين لتصبحا «ساحات حروب» مقبلة لسياسات ترامب الخارجية. ليس بمعنى أن هناك إعلاناً بحرب شاملة، لكن هناك إشارات واضحة وعقوبات غير مسبوقة، عمليات عسكرية محدودة، رسائل استراتيجية، وضغوط دبلوماسية. بالطبع المسائل ليست بهذه السهولة فالتدخل الأمريكى المباشر يحمل تبعات قانونية ودولية عالية مثل تجاوز الصلاحيات، اتهامات بانتهاك السيادة، وتعريض الجنود الأمريكيين للخطر. ومن جهة اخرى فإن تحالفات نيجيريا أو فنزويلا مع روسياوالصين قد تجعل أى تصعيد أمريكى محفوفًا بالمخاطر. فقد يدفع الاقتصاد الأمريكى ثمنا باهظا جراء العقوبات مثل ارتفاع أسعار النفط. من ناحية الداخل الأمريكي، ورغم دعم القاعدة الانتخابية لخطابات ترامب، لا تزال هناك ردة فعل ديمقراطية أو من المجتمع المدنى تجاه الحروب الخارجية. ولعل بوادر ذلك فوز الحزب الديمقراطى فى ثلاث مواقع مهمة خلال الأسبوع الماضى تمثلت فى فوز زهران ممدانى بمنصب عمدة نيويورك وابيجيل سبانبرجر بمنصب حاكمة فيرجينيا وغزالة هاشمى نائبا لحاكم فيرجينيا.