لا تُقاس الإنجازات العظيمة فقط بحجم ما يُنجز على الأرض، بل بما تحمله من فكرٍ يقودها ورؤيةٍ تصوغ ملامحها. المتحف المصري الكبير، الذي يطلّ على أهرامات الجيزة كأكبر صرح متحفي في العالم، لم يكن مجرد مشروع هندسي ضخم، بل قصة قيادة واعية وإدارة دقيقة تجسدت في شخصية اللواء المهندس عاطف مفتاح، المشرف العام على المشروع والمنطقة المحيطة به. وما بين التخطيط، والتنفيذ، وبين الحلم والتجسيد، أعاد هذا القائد رسم هوية المشروع، ليصبح رمزًا أيضا للحضارة المصرية الحديثة. اقرأ أيضاً| تدفق جماهيري عالمي.. كنوز توت عنخ آمون تخطف الأنظار في المتحف المصري الكبير - هندسة القرار.. وصناعة الرمز حين استقبل المتحف المصري الكبير أول قطعة أثرية في 25 يناير 2018، وهو تمثال الملك رمسيس الثاني لم يكن المشهد مجرد حدث افتتاحي، بل لحظة ميلاد "هوية بصرية" للمتحف. تحت إشراف اللواء عاطف مفتاح، تحوّل التمثال إلى رمز يعبّر عن عظمة التاريخ المصري، لتتبلور فكرة أكثر جرأة: المسلة المعلقة. كانت الفكرة مصرية خالصة، وجاء تنفيذها ليُحدث نقلة غير مسبوقة في تصميم المتاحف عالميًا. مسلة رمسيس الثاني، المعلّقة في الهواء، تُتيح للزائر أن يمر أسفلها ليقرأ اسم الملك في نص هيروغليفي مرفرف تصميم جمع بين الهندسة الدقيقة والفلسفة الرمزية، لم تكن مجرد فكرة معمارية... بل كانت هندسة هوية وطنية. - قرار مركب خوفو.. تحدٍ هندسي عالمي من أبرز قرارات اللواء عاطف مفتاح وأكثرها جرأة: نقل مركب الملك خوفو من موقعها بجوار الهرم إلى المتحف المصري الكبير. مركب أثري عمره أكثر من 4600 عام، مصنوع من الخشب غير القابل للفك أو التفكيك. ورغم اعتراضات العلماء الذين وصفوا العملية ب"المستحيلة"، أصرّ مفتاح على التنفيذ بعد دراسة هندسية متكاملة، شملت حسابات الوزن، محاور الميل، الاهتزاز، وفرق المناسيب. تمّت العملية بنجاح تام، في واحدة من أعقد عمليات النقل الأثري في القرن الحادي والعشرين، لتصبح مثالًا على التكامل بين العلم والإدارة والرؤية الاستراتيجية. - منفذ حضاري بين الماضي والمستقبل لم يتوقف دوره عند حدود المتحف، بل امتدت رؤيته لتشمل المنطقة المحيطة به. وقاد اللواء عاطف مفتاح مشروع الممشى السياحي الحضاري الذي يربط المتحف مباشرة بمنطقة الأهرامات، لتتحول المنطقة من مواقع متفرقة إلى منظومة متكاملة. بهذا الدمج البصري والحضاري، أصبح المتحف امتدادًا طبيعياً لمشهد الأهرامات، يجمع بين التراث والحداثة في لوحة واحدة. - بصمات هندسية صنعت هوية مصرية معاصرة إنجازات اللواء المهندس عاطف مفتاح في مشروع المتحف المصري الكبير يمكن تلخيصها في سلسلة قرارات هندسية متكاملة شكّلت علامة فارقة في تاريخ البناء المصري الحديث: - تنفيذ فكرة المسلة المعلقة الفريدة عالميًا. - إنجاز نقل مركب الملك خوفو بنجاح كامل. - تشكيل هوية المدخل والفراغ العام للمتحف بما يتناسب مع عظمة الموقع. - رؤية الربط بين هضبة الأهرام والمتحف عبر ممشى حضاري متكامل. لم يكن مشروع المتحف المصري الكبير مجرد بناء ضخم، بل رواية مصرية عن الإصرار والعقل والإبداع. وفي كل زاوية من هذا الصرح، تبرز بصمة اللواء عاطف مفتاح الرجل الذي لم يكتفِ بالإشراف على المشروع، بل أعاد صياغة هويته ليبقى شاهدًا على قدرة المصريين على تحويل التاريخ إلى مستقبل حيّ.