مليار متفرج من جميع أنحاء العالم شاهدوا عبر الفضائيات حفل افتتاح المتحف المصرى الكبير الذى أضافت به مصر هرما جديدا لأهراماتها الباقية من عجائب الدنيا السبع القديمة، والمتحف يؤكد للعالم كله اتصال حضارة مصر فى الماضى بحضارتها الحديثة فى الحاضر، تلك الحضارة التى تبين عظمة مصر وعظمة المصرى المبدع الخلاق على طول الزمان الذى عرف التوحيد قبل شعوب المسكونة وأبدع فى الفلك والطب والهندسة والتحنيط، وللأسف الشديد كثير من المصريين لا يعرفون عظمة حضارة أجدادهم حق المعرفة بما يسهل على أعدائهم سلب الهوية منهم، وسلب مصريتهم، والادعاء الكاذب من العدو الصهيونى بأن اليهود هم بناة الأهرامات، كذب وافتراء يتطلب منا استعادة الوعى للتمسك بتاريخنا ومصريتنا. وألجأ هنا إلى كتاب «فجر الضمير» الذى ترجمه سليم حسن صاحب موسوعة «مصر القديمة» التى تتكوَّن من ثمانية عشر جزءًا، وصاحب العديد من الاكتشافات الأثرية فى المنطقة المحيطة بأهرامات الجيزة، ويُلقَّب بعميد الأثريين المصريين، ويرى أن كتاب «فجر الضمير» من أهم الكتب التى أخرجت للناس فى العصر الحديث، ومؤلف الكتاب هو عالم الآثار واللاهوت الأمريكى جيمس هنرى بريستد الذى ترجم من مؤلفاته للعربية مجموعة من الكتب ومنها «انتصار الحضارة - تاريخ مصر منذ أقدم العصور إلى العصر الفارسى - تطور الفكر والدين فى مصر القديمة - تاريخ المصريين القدماء - فجر الضمير»، ويتميز بريستد فى كل مؤلفاته التى تناول فيها الحضارة المصرية القديمة بالدقة المتناهية المدعمة بالمستندات والادلة والوقائع التى تثبت سعة اطلاعه وعمق دراسته فى حضارات الشرق القديم. وأقولها صراحة لكل مصرى يريد أن يعرف من هو، وما هى جذوره، وما هى هويته الحضارية النقية التى أذهلت العالم ومازالت، أن يقرأ جيدا بوعى وفهم واعتزاز كتاب «فجر الضمير» الذى أصدره هنرى بريستد عام 1934 بعد دراسات متعمقة لسنوات لحضارات الشرق وبالأخص حضارة قدماء المصريين، ويبين لنا سليم حسن فى مقدمة الكتاب أن بريستد يدلل على أن مصر هى أصل حضارة العالم ومهدها الأول؛ وفى مصر شعر الإنسان لأول مرة بنداء الضمير، فنشأ الضمير الإنسانى فيها وترعرع، وتكونت بها الأخلاق النفسية، فمصر حسب الوثائق التاريخية التى وصلتنا عن العالم القديم إلى الآن، هى مهد حضارة العالم، وأخذ منها العبرانيون، ونقل الأوروبيون عن العبرانيين حضارتهم، وبهذا التأكيد التاريخى المدعم بالمستندات يهدم هنرى بريسد بكتابه الخالد كل النظريات التى تزعم بأن الحضارة الأوروبية أخذت عن العبرانيين، وينفى بريستد ذلك ويؤكد بالأدلة أن المصدر الأصلى لكل حضارات الإنسانية منقول من مصر العظيمة فى كل مناحى الحياة. ويؤكد سليم حسن فى مقدمة الكتاب أن هناك تطابقا بين مقولة الزعيم الوطنى مصطفى كامل التى قال فيها : «لو لم أُولد مصريًّا لوددت أن أكون مصريًّا»، وما نجح هنرى بريستد فى إثباته بكتابه عما كان لمصر من السيادة المطلقة فى تكوين ثقافة العالم، ووضع أسس الأخلاق وانبثاق فجر الضمير الذى أضاء بنوره على العالم أجمع، ويثبت فى كتابه أن البلاد العريقة فى المجد كالشجرة المباركة الطيبة، تؤتى أكلها كل حين، وتنبت بين آونة وأخرى أفذاذًا تجرى فى دمائهم قوة العزة القومية والمجد التليد؛ فيشعرون بعظمة بلادهم، وما كان لها من تاريخ مجيد، فتنطلق ألسنتهم معبرة عن ذلك بالإلهام والعزة والكرامة. بدأ هنرى بريستد مشواره الآثرى واللاهوتى بدراسة تاريخ الشرق القديم بشكل عام، واتجه بعد ذلك لدراسة تاريخ مصر وحضارتها، وأنفق فى سبيل الوصول إلى معرفة مكانة مصر بين دول العالم القديم آلاف الجنيهات التى جمعها من رجالات أمريكا الذين يشجعون العلم والبحوث القديمة، وانتهى به البحث بعد دراسة حضارات الأممالشرقية القديمة كلها؛ إلى أن مصر هى أصل مدنيات العالم، ومنبت نشوء الضمير، والبيئة الأولى التى نمت فيها الأخلاق، وقضى فى كتاب «فجر الضمير» على الخرافات التى كانت شائعة بين علماء التاريخ القديم والحديث، فمنهم فريق كان يظن أن الصين والهند وبلاد اليونان كانت مهد الحضارة وعنها أخذ العالم الحديث، ويؤكد لهذا الفريق بالأدلة والمستندات التى يقدمها فى كتابه أن مصر هى التى أخذ عنها العالم حضارته عن طريق فلسطين التى ليس لها فضل فى ذلك سوى أنها كانت نقطة الاتصال بين الحضارة الأوروبية والحضارة المصرية، ويؤكد بالأدلة أن العبرانيين استلهموا الحضارة المصرية ونسبوا بعضا منها لأنفسهم بالكذب والتضليل، ونقلوها إلى أوروبا مشوَّهة بعض الشيء، ثم صقلها الأوروبيون حسب أمزجتهم وألبسوها ثوبًا جديدًا كل حسب مزاجه وثقافته، وروائع المؤلفات اليونانية القديمة ترجع فى عنصرها إلى أصل مصرى قديم شرحه بريستد شرحًا مستفيضًا بالوثائق الأصلية القديمة، ويلفت نظر العالم فى الفصل الأول من الكتاب إلى أهمية البحث والتنقيب فى تاريخ الشرق القديم ووضعه أمام أعين العالم وتدوينه بصورة واضحة، حتى يكون وسيلة لمعرفة أصل الحضارة الحديثة. ويقول سليم حسن أن هنرى بريستد نجح نجاحا منقطع النظير فى تجديد الماضى القديم وجعله حيًّا أمامنا يتكلم ويناقش، وكان هو أول من قسم تاريخ الإنسانية إلى عصر كفاح الإنسان مع المادة والقوى الطبيعية والتغلب عليها نهائيًّا، وعصر الكفاح بينه وبين نفسه الباطنة حينما أخذ ضميره يبزغ وأخلاقه تتكوَّن، ويعتقد أننا لا نزال فى مستهل عصر تكوين أخلاقنا، وأننا ما زلنا على أبواب مملكتها الشاسعة التى لم نرد مجالها بعدُ، وبيننا وبين الوصول إلى نهاية حدود تلك المملكة أهوال ومصاعب شاقة ربما استغرق التغلب عليها مئات الآلاف من السنين، ويعنى بذلك الوقت الذى يصل الإنسان فيه إلى التحلى بالمُثُل العليا من الأخلاق، ويقلع عن المادة وما يجلبه حب الاستحواذ عليها من المشاحنات والحروب والأحقاد التى يشتد غليانها فى العالم كله. وبالعودة لمقدمة الكتاب التى خطها هنرى بريستد فى «فجر الضمير» نجده يقول : «يجب على نشء الجيل الحاضر أن يقرأوا هذا الكتاب الذى يبحث فى تاريخ نشأة الأخلاق بعد بزوغ فجر الضمير فى العالم المصرى»، هذه العبارات كانت موجهة وقتها للشباب فى أمريكا والغرب لأهمية معرفة كيف يصنع الضمير الحضارة العظيمة، ومن الضرورى أن يقرأ شبابنا هذا الكتاب ليعرف من هو، وما هى أصوله وجذوره، ومصادر فخره واعتزازه، واستعادة وعيه وأخلاق مصريته التى أنارت العالم بالضمير منذ فجر التاريخ.