فى صباح مهيب أضاءته أشعة الشمس المتسللة بين أعمدة الفنار الزجاجية، تدفقت الحشود نحو بوابات المتحف المصرى الكبير فى أول أيام افتتاحه، كأنهم يسيرون فى رحلة عبر الزمن نحو مهد الحضارة.. وجوه مبهورة، وعدسات تلتقط لحظة طال انتظارها، بينما تتنفس الحضارة المصرية القديمة من جديد بين جدران هذا الصرح العملاق الذى يضم أعظم كنوز الملوك والآلهة، فهنا، لا تُعرض الآثار فحسب، بل يُستعاد مجد الفراعنة فى تجربة تلامس القلب قبل أن تأسر العين. إقبال غير مسبوق شاركت جريدة «الأخبار» فى هذا الحدث التاريخى الفريد، حيث واكبت منذ الساعات الأولى من صباح الثلاثاء الإقبال غير المسبوق على المتحف المصرى الكبير من الزوار المصريين والأجانب، الذين توافدوا فى مشهدٍ مهيب يعكس شغف العالم بالحضارة المصرية القديمة. وامتلأت الساحات والممرات الخارجية بالمواطنين والوفود السياحية، وسط أجواء احتفالية مُفعمة بالفخر والدهشة، بينما حرص الجميع على توثيق لحظاتهم الأولى داخل أكبر صرح متحفى فى العالم، وجاء هذا الحدث ليشكل بداية صفحة جديدة فى تاريخ عرض الكنوز الفرعونية على أرض مصر، داخل مشروع قومى ضخم استغرق الإعداد له سنواتٍ طويلة من العمل والتخطيط الدقيق، ليجسد أمام العالم روعة مصر التى تجمع بين عظمة الماضى وتطور الحاضر. وفى داخل البهو الرئيسى للمتحف، ساد مشهد مُفعم بالحياة والانبهار، حيث حرص المئات من الزوار على التقاط الصور التذكارية بين أروقة المتحف الذى يجمع بين روعة التصميم المعمارى الحديث وعظمة التاريخ المصرى القديم، وقد وقف الجميع أمام تمثال الملك رمسيس الثانى الذى يتوسط البهو فى وضع مهيب يجسد قوة الدولة المصرية القديمة وهيبتها، وقد غمرته الإضاءة الطبيعية المنبعثة من الواجهات الزجاجية ليبدو كأنه يرحب بزائريه من أعماق التاريخ. أصداء التاريخ هكذا، امتلأ المتحف المصرى الكبير فى يومه الأول بمشاعر الفخر والانبهار والاعتزاز بالحضارة المصرية الخالدة، وبين أضواء الكاميرات ووجوه الزوار المبهورة، ترددت أصداء التاريخ من جديد بين أعمدة المجد وتاريخ الإنسانية، ليبقى هذا اليوم علامة فارقة فى مسيرة الثقافة المصرية والعالمية، حيث تلتقى الأصالة بالحداثة، ويُعاد كتابة التاريخ على أرضٍ كانت وستظل منارة للحضارة الإنسانية جمعاء. رافقت جريدة «الأخبار» يمنى البحار، نائبة وزير السياحة والآثار، ود. أحمد غنيم، الرئيس التنفيذى لهيئة المتحف المصرى الكبير، فى جولة موسعة داخل أروقة المتحف لمتابعة سير العمل والاطمئنان على جاهزية قاعات العرض واستقبال الزوار فى اليوم الأول لفتح أبواب المتحف أمام الجمهور. واستمعا إلى تقارير فرق العمل حول سير حركة الدخول والخروج وتوزيع الزائرين داخل القاعات، كما وجها الشكر للعاملين على جهودهم المكثفة لضمان تجربة زيارة متميزة وآمنة تعكس الصورة المشرفة لمصر أمام العالم، وأشادا بالتعاون المثمر بين فرق الأمن والإرشاد والموظفين المختصين بتنظيم الزيارات، مؤكدين أن اليوم الأول للافتتاح يمثل اختباراً حقيقياً للقدرات التنظيمية والإدارية التى تم الاستعداد لها على مدار الأشهر الماضية. وأكدت نائب وزير السياحة والآثار، أن الجولة التفقدية تأتى فى إطار الحرص على متابعة أدق التفاصيل داخل المتحف المصرى الكبير، لضمان سير العمل بسلاسة وتقديم أفضل تجربة للزائرين، مشيدة بروح التعاون والعمل الجماعى التى تسود بين جميع العاملين داخل المتحف، والتى انعكست بوضوح فى نجاح هذا الحدث التاريخى الذى يضع مصر فى صدارة المشهد الثقافى والسياحى العالمي.. وأضافت: أن الإقبال الجماهيرى الكبير منذ الساعات الأولى لافتتاح المتحف يعكس مكانته العالمية المُنتظرة، مشيرةً إلى أن المتحف استقبل حتى الآن أكثر من 18 ألف زائر من المصريين والأجانب، وهو رقم قابل للزيادة مع استمرار توافد الزوار حتى ساعات المساء، و أن التقديرات الأولية تشير إلى أن عدد الزائرين سيتخطى ال 20 ألف زائر فى اليوم الأول، وهو ما يعد مؤشراً قوياً على النجاح الكبير الذى حققته مصر فى افتتاح هذا الصرح الثقافى الفريد. وأكد الدكتور أحمد غنيم، الرئيس التنفيذى لهيئة المتحف المصرى الكبير، أن الإقبال كبير للغاية وفقاً للتوقعات خاصة وأن الحجوزات المُسبقة عبر الإنترنت شهدت يوم الإثنين إقبالاً كبيرًا تجاوزت 10 آلاف حجز، مشيراً إلى أن الطاقة الاستيعابية القصوى للمتحف تصل الى 30 ألف زائر يومياً. وشدد على أن الأولوية القصوى هى ضمان تجربة زائر ممتعة وجميلة، موضحاً إمكانية تأخير دخول بعض الزوار أو حتى إغلاق الأبواب نهائيًا خلال أوقات الذروة إذا كان التدفق الكبير قد يؤثر على جودة الزيارة، مشيراً إلى أن ساعات عمل القاعات ستكون من الساعة 9 صباحًا حتى 6 مساء، مع تمديد ساعات العمل يومى السبت والأربعاء حتى الساعة 9 مساءً. وقال إن المنشآت الترفيهية والمطاعم ستستمر فى تقديم خدماتها لمدة ساعة إلى ساعتين بعد الإغلاق الرسمي، وأن قاعتى الملك توت عنخ آمون ومتحف مراكب خوفو ستكونان مفتوحتين للجمهور غدًا، ليتمكن الزوار من رؤية المجموعة الكاملة للملك الذهبى لأول مرة. ورد الدكتور غنيم على الشائعات المُتداولة حول منح وكالة التعاون الدولى اليابانية «الجايكا» حق الانتفاع أو إدارة المتحف، مؤكدًا أن الجميع يعلم بوجود قرض حسن مُيسر بفائدة منخفضة وفترة سماح طويلة قدمته دولة اليابان عبر هيئة «الجايكا»، وأن الحكومة بدأت بالفعل فى تسديده. وأكد أن المتحف مملوك بالكامل للدولة المصرية، بينما يشارك القطاع الخاص فى إدارة بعض الخدمات غير الأثرية عبر شركة «ليجاسي»، بما يشمل: الضيافة والصيانة والاستثمار، بهدف التغلب على البيروقراطية، بينما تتولى وزارة السياحة والآثار جميع الجوانب الأثرية. وختم غنيم تصريحاته موجهاً الشكر والتقدير لجميع العمال والفنيين والمهندسين الذين عملوا على المشروع لسنواتٍ طويلة، مشددًا على أن الفضل الحقيقى يعود إليهم، معتبراً أن النجاح جاء بفضل جهود موظفى الوزارة والقطاع الخاص الذين عملوا كعائلة واحدة، قائلاً: «من كل قلبى أقدم لهم كل الشكر». الزائرون أما الزائرون فأكدوا فى تصريحاتهم ل»الأخبار» أنهم شعروا بالفخر والدهشة لما شاهدوه من تنظيم دقيق وتصميم معمارى مهيب يجمع بين الحداثة وروح مصر القديمة، مشيرين إلى أن المتحف يقدم تجربة استثنائية تضع الزائر فى قلب التاريخ.. وأضافوا أن المتحف المصرى الكبير يضم آلاف القطع الأثرية النادرة، من بينها: مقتنيات الملك توت عنخ آمون التى تُعرض كاملة لأول مرة، إلى جانب متحف مراكب الملك خوفو الذى يقدم عرضاً فريداً لمركبى الفرعون العظيم جنباً إلى جنب فى مشهد غير مسبوق.