الفيلم يتعرض لهذا الصراع البشرى وداء الأنانية المتفشى فينا والذى يقنعنا أن الحياة لا تتسع لأحد غيرنا فى عام 1997 كنت فى زيارة لكوريا الجنوبية مروراً بسنغافورة، كنت ضمن وفد صحفى مع إثنين من أعز الأصدقاء بمؤسسة الأهرام هما الكاتبة الصحفية هبة باشا نجمة مجلة نصف الدنيا، والكاتب عبد الناصر عارف المحرر الاقتصادى المرموق فى الأهرام. لم تكن بوسان، تلك المدينة الكورية الساحلية وقتها بهذه الشهرة التى عليها الآن، لذا لم تضع حكومة كوريا زيارة بوسان فى البرنامج الذى أعدته للوفد الصحفى، لكن فى عام 2016 كانت تلك المدينة على موعد مع السعادة حيث أنتجت السينما الكورية فيلماً بعنوان « قطار إلى بوسان»، الفيلم حقق نجاحاً منقطع النظير جعل تلك المدينة على خريطة برامج شركات السياحة التى تجذب الناس لزيارة كوريا. الفيلم من نوعية الزومبى التى لا أحبها لكنى شاهدته بدافع من الفضول بعدما قرأت عنه الكثير، فى الفيلم هاجم فيروس الزومبى العاصمة سيول فلجأ الناس إلى قطار متجه إلى مدينة بوسان، لكن تمكنت من اللحاق بالقطار على آخر لحظة مريضة بالفيروس الذى ينتقل للآخرين عن طريق « العض» فى أى جزء من الجسد، لذا تحول قطار إلى بوسان» إلى رحلة رعب حقيقية، أبواب تُغلق، نوافذ تتحطم، وصراخ لا ينقطع وأشلاء تتطاير من شبابيك القطار. بطل الفيلم يصطحب معه طفلته خلال رحلة القطار ويحاول طيلة الأحداث أن يحول بينها وبين الفيروس وتركز الكاميرا على بطل آخر يجلس فى آخر عربة بالقطار يراقب معاناة الناس وصراعهم فى صمت..تذكرت أحداث الفيلم وأنا أتابع استضافة مدينة بوسان خلال الأيام الماضية لقمة العالم التى جمعت القطبين الأمريكى والصينى، يبدو أن بوسان، التى اشتهرت بسبب الفيلم كمكان آمن للهرب من الزومبي، قررت تطوير ذوقها فى الضيوف، فبدلًا من استضافة الموتى الأحياء، إذا بها تستضيف القمة الأمريكية الصينية بكل أناقتها وثقلها . الفيلم يتعرض لهذا الصراع البشرى وداء الأنانية المتفشى فينا والذى يقنعنا أن الحياة لا تتسع لأحد غيرنا وأنه إذا أردنا النجاة فلا بد أن نقضى على الآخرين، ليعيش الجميع صراعًا دمويًا على البقاء، حتى بين أصدقاء العمر والأزواج والأحباب، الرابطة الوحيدة التى لم ينجح الفيروس فى تشويهها هى علاقة الأبوة ،حيث رأينا طوال الفيلم كيف كان يحمى الأب طفلته خوفًا عليها، حتى عندما أصيب هو وتم عضه لم يقترب من ابنته ليعضها كما سبق أن عض الأقربين بعضهم بعضا بل استغل فرصة تهدئة القطار وهو يقترب من محطته النهائية والتى لم يتفشَ فيها الفيروس، وألقى بها لينقذها بعد أن أدرك أنه هالك لا محالة. لو أردنا مقارنة بوسان التى فى الفيلم ببوسان القمة نجد فى الفيلم أن الركاب كانوا يفرّون باتجاه بوسان باعتبارها الملاذ الأخير من الفيروس القاتل، أما فى الواقع، فترامب وشى جين بينج توجّها إليها بملء إرادتهما، ربما لأنهما بالفعل أدركا ما يلحق بالعالم كله جراء حروبهما التجارية، وفى قمة بوسان، لم يكن هناك زومبى تقفز من النوافذ، لكن هناك من له نفس تأثير الزومبى ألا وهى التصريحات الصحفية التى تقترب أحيانًا من مستوى الرعب ذاته، فلا شيء يهز الأسواق العالمية أكثر من جملة تبدأ بالرئيس الأمريكى قال كذا وتنتهى بفرض رسوم جديدة، أو أن الرئيس الصينى هدد وتوعد بكذا وكذا. ولو قارنا الشخصيات، فربما ترامب هو بطل الفيلم، الذى يحاول إنقاذ ابنته أو شعبيته-إن شئت الدقة-من الانهيار، بينما شى جين بينج يلعب دور الراكب الغامض فى العربة الأخيرة، الذى لا يتكلم كثيرًا لكنه يراقب كل شيء ويخطط بخفة، قبل أن يتحكم فى مسار القطار بأكمله. أما سكان العالم فهم المتفرجون على قطار العلاقات الدولية وهو يتمايل بين مطبات تجارية، وأنفاق مظلمة. ولأن لا شيء يحدث فى عالم السياسة مصادفة فأظن أنه ربما اختار المنظمون بوسان لتذكير ترامب وتشى جين بينج بأن بوسان كانت آخر أمل للبشرية أمام الزومبي، مما قد يجعلهما أكثر تعاونًا، ولو قليلًا. وإذا كان فيلم «قطار إلى بوسان» يتحدث عن بشر يحاولون النجاة من وباء يتفشى بسرعة، فقد كانت قمة بوسان عبارة عن إثنين من أهم قادة العالم يحاولان النجاة من عدوى المواجهة الاقتصادية والسياسية التى تهدد النظام العالمي. نتمنى فقط أن يكون اتفاق التهدئة الذى تم بين ترامب وشين جين بينج حقيقيا وألا يكون أحدهما لا يزال مصابا بفيروس فرض رسوم جديدة على التجارة، لأن فى هذه الحالة، لن ينقذ الاقتصاد العالمى لا بوسان ولا القطار،فاللهم إجعل كلامنا خفيف عليهما !