تحلق مصر في سماوات المجد بعد 11 ربيعًا من البناء والتضحيات، حتى حان وقت قطاف ثمار الكفاح، فكان اليوم التاريخي الذي وقف فيه فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي ليعلن للعالم بكل فخر واعتزاز من على منصة المتحف الكبير: «مصر أقدم دولة عرفها التاريخ». صدقا، لا تزال أصداء هذا الافتتاح الأسطوري للمتحف الكبير تتردد في أرجاء الكون، بعد أن تابع حدثه العالمي نحو مليار مشاهد، وتناولته عدسات أكثر من 215 وسيلة إعلامية عالمية، كالطائر المغرد بأنشودة النهضة عبر القارات. لنا الحق أن نرفع رؤوسنا عاليًا كحملة مشعل الحضارة، فمصر – أم الدنيا – نهضت كالشمس تشرق من عمق الليل، بعد أن ظن القاصي والداني أنها ودعت دائرة التأثير إلى الأبد، حين تحالفت قوى الظلام لتحويل أعرق دولة في التاريخ إلى مجرد ذكرى في سجلات الماضي، بإضعاف حاضرها ومستقبلها لكن مصر – بصمود أبنائها – كررت معجزة عبور المستحيل، كما فعلت في عام 1973، لتعود أقوى مما كانت. السؤال الذي يفرض نفسه الآن: كيف نحافظ على جذوة هذه النهضة المتألقة، ونحولها إلى محرك دائم لتقدم دولتنا؟ إن المتحف الكبير ليس مجرد صرح يحوي كنوز الأجداد بين جدرانه الذهبية، بل هو بوابة الجمهورية الجديدة إلى العالم، وخطوة استراتيجية نحو جذب 30 مليون سائح بحلول 2030.. وهذا يستدعي رؤية شاملة وتضافرًا وطنيًا من الحكومة والمواطن، كالجسد الواحد. لقد أرسلت الحكومة رسالة جمالية للعالم قبل الافتتاح، بتحسين الصورة البصرية عبر طلاء الواجهات وتطوير المسارات من المطار حتى بوابة المتحف.. خطوات مباركة، لكن الرحلة لا تزال في بدايتها، والطريق أمامنا طويل. فالقضية ليست مجرد خطوط صفراء وبيضاء ترسم على الأسفلت، بل هي انضباط يليق بعراقة المصريين. نحتاج إلى ثورة مرورية توازي ثورة البناء، تبدأ بزرع الوعي في المدارس والجامعات والمؤسسات، وتتوج بتطبيق القانون على كل من يعبث بجمال شوارعنا. فلنكن كالنحل في نظامنا، لا كالسرب في فوضانا. دعونا نصنع من منطقة الأهرامات والمتحف الكبير لوحة فنية نابضة بالحياة، نرسي فيها دعائم النموذج الراقي الذي يليق بعظمة تاريخنا، فلنحول هذه المناطق إلى بوابات ترحيب تسبقها شرطة مرور تليق بعراقة الأرض التي يمشون عليها، وإشارات ذكية كاللآلئ تنظم رحلة الزائر، ورجال في زيّ مهيب يعكس هيبة المكان.. ثم لنجعل من هذا النموذج الناجح شعلة ننقلها من منطقة إلى أخرى، كالنجوم التي تنثر الضياء في جنبات الوطن.. بهدوء، لنكن سفراء جمال بلدنا بتنظيمنا قبل كلماتنا، وبحبنا لمصر قبل توجيهاتنا فهذا ليس تقليداً للآخرين، بل هو تجسيد لأصالتنا واهتمامنا بضيوفنا، لأن مصر تستحق الأفضل دائماً. اسمحوا لي بضرب مثال ب«الفاتيكان»، حيث يزورها 20 ألف سائح يوميًا، تُغلق الشوارع المؤدية لساحة القديس بطرس من 8 صباحًا حتى 5 مساءً لضمان سلاسة الحركة.. وفي «برشلونة»، تفرض شرطة المدينة إجراءات صارمة حول كنيسة «سغرادا فاميليا» التي تستقبل 13 ألف زائر يوميًا.. وكذلك تفعل «الصين» عند سورها العظيم، و«فرنسا» عند برج إيفل. فلنستثمر حماسة الافتتاح العالمي لنتخطى حاجز 30 مليون سائح، فلا مجال للتراخي في سباق سياحي شرس، تدخل فيه دول إقليمية بأساطيل ترويجية واستثمارات ضخمة، رغم أنها لا تمتلك ربع مقومات مصر الحضارية. لكنها تمتلك مرونة التعامل مع متغيرات العصر. ومصر التي شقت 7 آلاف كيلومتر من الطرق في 10 سنوات، قادرة – بعون الله – على تغيير سلوكنا ووعينا، من المطار إلى الفندق، ومن الشارع إلى المرفق، فلنحفظ ما بنيناه بأيدينا، ولا نسمح للعشوائية أن تسرق منا غدنا المشرق لنكتب معًا فصلاً جديدًا من أمجاد مصر. * مدير تحرير المصري اليوم