تشهد سوق السيارات في مصر حالة غير مسبوقة من النشاط، تقودها موجة واسعة من التخفيضات السعرية التى أطلقتها الشركات والوكلاء، في محاولة لجذب شرائح جديدة من المستهلكين واستعادة الثقة بعد فترة طويلة من الركود، هذه التخفيضات جاءت في إطار ظروف اقتصادية مواتية، حيث تزامنت مع استقرار نسبي في سعر الصرف وتراجع تكاليف الشحن، إضافة إلى توسع ملحوظ في خطوط الإنتاج المحلي. بينما يرى البعض أنها انعكاس مباشر لزيادة الطلب وطرح طرازات جديدة بأسعار أكثر تنافسية، يعتبرها آخرون خطوة ضرورية لتصريف المخزون وإعادة رسم خريطة المبيعات، وفى كل الأحوال، فإن هذه التطورات تمهد لمرحلة جديدة من المنافسة الحادة، قد تسهم في إعادة تشكيل ملامح السوق خلال السنوات المقبلة. ◄ جميل: العروض المغرية أهم وسائل جذب العملاء.. السلكاوي: الأسعار تنافسية ◄ القوة الشرائية في البداية يوضح أحمد جميل رئيس قسم المعارض والتسويق بالشركة المصرية الأوروبية للسيارات إحدى شركات القصراوي جروب أن سوق السيارات تشهد حالة من المنافسة بين العلامات التجارية، انعكست فى صورة تخفيضات كبيرة بالأسعار، ويعود ذلك إلى عدة عوامل أبرزها ارتفاع القوة الشرائية للمستهلكين وتراجع قيمة الدولار، مما عزز إقبال العملاء على الشراء، ورغم هذه التخفيضات، فإنها لا ترتبط باستراتيجيات تخزينية من جانب الشركات، بل تعكس بالأساس قوة الطلب المتنامى. وتشير التوقعات إلى استمرار سياسة خفض الأسعار خلال الفترة المقبلة، مع احتمالات لاستقرار نسبي إذا واصل الدولار هبوطه. وقال: هذا المشهد يعكس تحولا ملحوظا في ملامح السوق، حيث تسعى الشركات إلى تعزيز تنافسيتها عبر تقديم عروض مغرية لجذب أكبر شريحة من العملاء. كما أن بعض المحللين يرون أن هذه السياسة قد تعيد رسم خريطة المبيعات مستقبلًا، خصوصًا مع دخول طرازات كهربائية وهجينة بأسعار أقل، وفي الوقت نفسه، تؤدى استمرار هذه التخفيضات إلى رفع حجم المبيعات الإجمالية ودفع المستهلكين للإقبال على السيارات الحديثة بدلا من المستعملة، ما يخلق ديناميكية جديدة داخل سوق السيارات ◄ اقرأ أيضًا | عشوائية الميكروفون.. من يحكم سوق السيارات المستعملة؟ ◄ انخفاض ملحوظ بينما يشير كريم السلكاوي مدير التسويق بمجموعة بودى جروب إلى أن أسعار السيارات شهدت انخفاضا ملحوظا خلال الفترة الأخيرة، مدفوعا بعدة عوامل، أبرزها طرح الشركات لموديلات جديدة بأسعار تنافسية، مما عزز المنافسة داخل السوق، ليشكل فى النهاية رافعة إضافية لعجلة الاقتصاد الوطنى، خاصة مع السياسات الحكومية الداعمة للتصنيع المحلى وزيادة المكونات المحلية التى أسهمت فى تقليل تكاليف الإنتاج وتحقيق توازن أكبر بين العرض والطلب داخل السوق، وهو ما انعكس بشكل مباشر على الأسعار النهائية للمستهلكين. ويوضح أن هذا الانخفاض لم يمر دون تأثير، إذ ساهم فى زيادة الإقبال على شراء السيارات الجديدة، مستفيدين من الفرص المتاحة بأسعار مناسبة، كما أثر ذلك على سوق السيارات المستعملة، حيث أدى تراجع أسعار الموديلات الحديثة إلى انخفاض قيمتها تلقائيا. ويتوقع السلكاوي أن يستمر هذا الاتجاه في ظل استمرار الشركات في تقديم عروض وأسعار تنافسية، مما يعزز من نشاط السوق ويجذب مزيدا من المشترين، إلى جانب ذلك، فإن خفض أسعار الفائدة يلعب دورا كبيرا فى تحفيز قرارات الشراء، خاصة بالنسبة للراغبين فى الشراء بنظام التقسيط، حيث سيؤدى انخفاض تكلفة التمويل إلى زيادة الإقبال على القروض البنكية، مما ينعكس إيجابيا على حركة البيع وينشط القطاع المصرفى، ليعزز بذلك عجلة الاقتصاد بشكل عام. ◄ زيتون: محاولة لتصريف المخزون.. سعد: تساعد فى تلبية احتياجات المستهلكين ◄ الوكلاء الجدد بينما يقول منتصر زيتون عضو الشعبة العامة للسيارات: تشهد سوق السيارات خلال الفترة الحالية حالة من النشاط الواضح، مدفوعة بعدة عوامل متداخلة، أبرزها دخول وكلاء جدد بسيارات بأسعار تنافسية، ما دفع الوكلاء القدامى إلى إعادة النظر في تسعير طرازاتهم للحفاظ على حصصهم السوقية. كما ساهم نزول موديلات 2025 الجديدة، وتراجع سعر الدولار واستقراره، إلى جانب تصفيات نهاية العام لبعض الطرازات التى ستتوقف الشركات عن دعمها، فى تكثيف موجة التخفيضات، يضاف إلى ذلك تدشين خطوط إنتاج للتجميع المحلى، الأمر الذى يقلل من فاتورة الاستيراد ويزيد من فرص المنافسة.. ويشير إلى أن هذه التخفيضات التى كان يفترض أن تنعش المبيعات، جاءت بنتائج عكسية فى بعض الحالات، بعدما هزت ثقة المستهلكين بسوق السيارات، إذ فوجئ البعض بتراجع حاد فى قيمة سياراتهم فور خروجها من الترخيص، وصلت فى بعض الموديلات إلى نحو 350 ألف جنيه، وهو ما اعتبره المستهلكون انعكاسا لمبالغة الوكلاء فى التسعير السابق دون مراعاة لمصالح العملاء أو التجار. ويرى خبراء أن هذه التراجعات ليست مؤقتة، بل تعكس استراتيجية طويلة الأمد مرتبطة بتصريف المخزون وتغير أشكال بعض الموديلات، إضافة إلى المنافسة المستمرة. أما مستقبل الأسعار، فيظل مرهونا بمدى توسع خطوط الإنتاج المحلى ودخول سيارات جديدة بأسعار جاذبة، ما سيدفع الوكلاء لإعادة تسعير منتجاتهم فى حدود معينة وبالتنسيق مع الشركات الأم المالكة للعلامات. ◄ الإنتاج المحلي في حين يوضح خالد سعد أمين عام رابطة مصنعي السيارات أن السوق المصرية للسيارات شهدت خلال الفترة الأخيرة تحولا ملحوظا بفضل التوسع فى الإنتاج المحلى، حيث ركزت الشركات الجديدة على الفئات الاقتصادية التى يقل سعرها عن مليون جنيه، مما لبى احتياجات شريحة واسعة من المستهلكين، هذا التوجه جاء متماشيا مع سياسة الدولة الداعمة للتصنيع المحلى وتقليص الاعتماد على استيراد السيارات كاملة الصنع، الأمر الذى عزز من قدرة الشركات على الاستثمار فى خطوط إنتاج محلية. وقال: انعكست هذه الخطوات إيجاباً على الاقتصاد، إذ أدى تقليل فاتورة الاستيراد إلى تخفيف الضغط على الطلب من العملات الأجنبية، ما وفر للبنوك سيولة أفضل وساهم فى استقرار السوق، ونتيجة لذلك، أصبح المستهلك المصرى أمام خيارات متنوعة من السيارات المنتجة محليا بأسعار أكثر ملاءمة، وهو ما ساعد على كبح جماح الأسعار وتحقيق توازن أكبر فى السوق، ويضيف سعد: أن تأثير تقلبات سعر الدولار على سوق السيارات المستوردة والمحلية، حيث أدى تباين الأسعار بين الشركات المعتمدة على السعر القديم للدولار والمستهلكين الذين يتوقعون أسعار أعلى إلى ضغوط على السيارات المستوردة، نتيجة لذلك، شهدت السوق خفضا فى أسعار السيارات المستوردة بفعل المنافسة من السيارات المحلية، بما أن تكلفة الإنتاج تعتمد بشكل أساسى على الدولار هذا التغير ساهم فى تخفيض التكاليف الإجمالية للسيارات في السوق. ◄ الطنة: وسيلة لكسب عملاء جدد.. مسلم: تحسن حركة الاستيراد أهم الأسباب ◄ سعر الصرف في حين يرى جمال الطنة خبير التسويق بالسيارات أن سوق السيارات فى الفترة الأخيرة شهدت موجة من التخفيضات السعرية مدفوعة بعدة عوامل رئيسية، أبرزها التحسن النسبى فى استقرار سعر الصرف، إلى جانب دخول شحنات جديدة من السيارات بعد انفراجة فى الإفراجات الجمركية، فضلا عن المنافسة الشديدة بين الوكلاء وسعى الشركات إلى تصريف المخزون المتراكم من موديلات 2024، فى وقت تسعى فيه أيضا إلى استعادة ثقة المستهلك بعد فترة طويلة من الجمود، ويشير إلى أن هذه التخفيضات انعكست بشكل ملحوظ على قرارات الشراء، حيث أعادت جزءا من الثقة للمستهلكين الذين كانوا مترددين، ودفعت بعضهم للتفكير جديا فى الشراء، بينما ما زالت شريحة أخرى متحفظة فى انتظار استقرار الأسعار أو انخفاضها بشكل أكبر. ورغم أن المبيعات تحركت بالفعل، خاصة فى السيارات الاقتصادية والمتوسطة، إلا أن التردد لا يزال حاضرا لدى بعض العملاء، خصوصا مع استمرار التراجع فى أسعار الصرف خلال هذه الفترة. وقال: بالنسبة لطبيعة التخفيضات، فإنها تبدو فى الغالب مرتبطة بتصريف المخزون الحالى، ولا سيما موديلات 2024، غير أن حدة المنافسة بين الوكلاء قد تجعلها تتحول إلى استراتيجية أطول مدى للحفاظ على الحصة السوقية وكسب عملاء جدد. أما التوقعات للفترة المقبلة، فتشير إلى أن استمرار استقرار أو انخفاض الدولار مع دخول المزيد من الشحنات سيؤدى إلى عروض سعرية أكثر تنافسية، بما يعزز من احتمالية بقاء الأسعار فى منحنى هابط تدريجى حتى تصل السوق إلى مرحلة من التوازن السعرى مع نهاية 2025، بحيث تقتصر أى زيادات أو تخفيضات لاحقة على عوامل واضحة مثل تغير سعر الصرف أو الرسوم الجمركية أو طرح الموديلات الجديدة. ◄ تكاليف الشحن ويوضح محمد مسلم خبير السيارات أن موجة من التخفيضات السعرية التى شهدها سوق السيارات من جانب عدد من الوكلاء والمستوردين، فى خطوة تعكس مزيجا من العوامل الاقتصادية والتجارية، حيث ساعد استقرار سعر الصرف وتراجع تكاليف الشحن عالميا على إتاحة مساحة أمام الشركات لتعديل أسعارها نزولًا، إلى جانب رغبتها فى تحريك المبيعات بعد فترات من الركود وتعويض الحصة السوقية. ويضيف أن هذه التخفيضات انعكست سريعا على سلوك المستهلكين، إذ أعادت قدرا من الثقة، ودفعت شريحة من المترددين إلى اتخاذ قرار الشراء. ومع ذلك، ما زال هناك جزء اكبر من العملاء يترقب مزيدا من الانخفاضات أو يبحث عن حلول تمويلية مناسبة قبل الإقدام على الشراء، وهو ما جعل تأثير التخفيضات متفاوتا بين الفئات المختلفة من المشترين. ومن الناحية التجارية، ساعدت الخطوة بالفعل فى تنشيط حركة المبيعات مقارنة بالأشهر السابقة، لكنها لم تُنهِ تمامًا حالة الحذر المرتبطة بالقدرة الشرائية والتوقعات المستقبلية. ويرى خبراء أن بعض الشركات لجأت للتخفيضات بغرض تصريف مخزون محدد استعدادًا لاستقبال موديلات جديدة، بينما اعتمدت أخرى هذه السياسة كاستراتيجية تنافسية طويلة الأمد لتعزيز وجودها فى السوق.