يعد حراس معبد أبو سمبل بمحافظة أسوان واجهة مشرفة لمصر أمام الزائرين والسياح الأجانب، لما يتمتعون به من مهارات لغوية متعددة تسهم في تسهيل التواصل وتقديم المساعدة باحترافية داخل الموقع الأثري، خاصة خلال متابعة ظاهرة تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني، والتي تحدث مرتين سنويًا في 22 أكتوبر و22 فبراير كل عام. وبالرغم من عدم حصولهم على مؤهلات عليا يتحدثون أكثر من لغة أجنبية مثل الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، الإسبانية، واليابانية، مما يعزز يعكس صورة حضارية عن العاملين في قطاع الآثار والسياحة . ويروى محمد أحمد حامد، الشهير ب"مارو" أحد حراس معبد الملك رمسيس الثاني بمدينة أبوسمبل بأسوان ، أنه تسلم مهام عمله فى 2009 حيث قضى نحو 17 عامًا في خدمة المعبد والسياحة، مؤكدًا أن ارتباطه بالمكان بدأ منذ طفولته، حين كان يزور المعبد ويستمع إلى شرح المرشدين السياحيين. وقال حامد، البالغ من العمر 29 عامًا ، إن حبه للآثار نشأ من فضوله لمعرفة تفاصيل المعبد، خاصة ظاهرة تعامد الشمس التي تحدث يومين فقط في السنة، مشيرًا إلى أن هذه الظاهرة تعكس دقة المصريين القدماء في علم الفلك والهندسة. وأوضح أن عملية نقل المعبد في ستينيات القرن الماضي كانت إنجازًا هندسيًا فريدًا، حيث تم تفكيك المعبد وإعادة تركيبه دون أن يفقد شكله أو تفاصيله الأصلية، وهو ما يثير دهشة الزوار الذين لا يصدقون أنه تم نقله من موقعه الأصلي. وأضاف حامد أنه رغم حصوله على مؤهل متوسط "دبلوم صناعي"، إلا أنه تمكن من تعلم ثماني لغات من خلال تواصله اليومي مع الزوار، أبرزها اليابانية، الإسبانية، الألمانية، الإنجليزية، والصينية، مما ساعده على تقديم المساعدة والإرشاد بلغات متعددة، وتسهيل تجربة الزائر داخل المعبد. وأشار إلى أن دوره لا يقتصر على الحراسة فقط، بل يشمل أيضًا توعية الزوار بعدم لمس النقوش أو استخدام الفلاش أثناء التصويرحفاظًا على الألوان والرسومات، مؤكدًا أن الزوار يتفهمون ذلك عندما يتم الشرح لهم بأسلوب مهذب. وذكر" حامد" عددًا من المواقف التي أثرت فيه، من بينها عودة أحد الزوار بعد 14 عامًا للبحث عنه داخل المعبد، مصطحبًا زوجته وأولاده، ليلتقط معهم صورة تذكارية جديدة، بعدما احتفظ بصورة قديمة التقطها معه عام 2011 . وأكد أن السياحة تشهد انتعاشًا ملحوظًا في الفترة الأخيرة، خاصة من الجنسيات الإيطالية والأمريكية، بعد فترة ركود خلال جائحة كورونا، مشيرًا إلى أنه وثّق ظاهرة تعامد الشمس خلال تلك الفترة في فيديو خاص، حضره بمفرده داخل المعبد. واختتم حديثه بالإشارة إلى لقبه "مارو"، الذي اشتهر به منذ أيام طفولته بسبب سرعته فى لعبه لكرة القدم، وأصبح الاسم الذي يعرفه به الجميع داخل المعبد وخارجه. ولا يختلف حسن برسى كثيرا عن رفاقة فى العمل، حيث حصل أيضاً على الشهادة الابتدائية ، وبدأ العمل فى مجال السياحة فى أكثر من بازار سياحى، وفى عام 2006 كان هناك فرصة عمل تابعة لوزارة الآثار "حارس"، وبالفعل تقدم بأوراقه والتحق بالعمل بها لخبرته وحبه فى مجال السياحة. ويقول "برسي" إنه تعلم معانى الرموز المنقوشة على جدران المعبد من الحراس القدامى وررؤساءه فى العمل حتى أتقن معانى الكلمات الفرعونية وشرحها، ورغم عدم استكماله التعليم واكتفائه بالحصول على الشهادة الابتدائية، إلا أنه يجيد التحدث ب 8 لغات منها "الإنجليزية - الإسبانية - الفرنسية - الإيطالية - الصينية - الروسية - البولندية -الألمانية" وأحب "حسن" العمل كحارس لمعبدى أبوسمبل بجوار الملك رمسيس الثاني ونسى "أن يكمل نصف دينه ويتزوج" حتى بلغ 41 عاماً، أحب وتزوج من سيدة نوبية بمسقط رأسه فى قرية أبوسمبل التابعة لمركز ومدينة نصرالنوبة ، واصطحابها إلى عش الزوجية بمدينة أبوسمبل السياحية ، وفى كل صباح جديد يتغزل فى زوجته قائلاً " أنت المرأة التى أشرقت الشمس من أجلها" ويحرص عدد كبير من المصريين والسياح على مشاهدة تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني، وعند الإنتهاء من مشاهدة الظاهرة الفلكية الفريدة ، يقوم الزائرين بإلتقاط الصور التذكارية مع " حسن " وهو يحمل مفتاح الحياه. بينما التحق عبد الكريم محمد مبروك، صاحب 45 عامًا، بالعمل فى المعبد فى عام 2006، وذلك بعد أن إجتيازه اختبارات المسابقة الرسمية، أصبح وجهًا مألوفًا للزوار، رغم أن مؤهله الدراسي لا يتجاوز المرحلة الابتدائية أتقن لغات كثيرة ويقول عبد الكريم إنه قبل التحاقه بالمعبد، كان مجندًا في شرطة السياحة والآثار منذ عام 1999، ما منحه خلفية قوية عن المواقع الأثرية وأهمية التعامل الراقي مع الزوار والسائحين، ومن خلال احتكاكه اليومي بالسياح، أتقن عدة لغات منها الإسبانية والفرنسية والألمانية والإنجليزية، بالإضافة إلى اليابانية والصينية. مشيرا إلى أن حسن المعاملة هو جوهر العمل، ولا يتردد في مساعدة الزوار على التقاط الصور أو شرح تفاصيل المعبد، حتى لو لم يكن ذلك من صميم مهامه، معتبرًا أن الزائر ضيف يجب إكرامه. ومن أبرز المواقف التي يرويها، زيارة سائح مكسيكي في الموسم الماضي، كان قد التقط صورة معه عام 2006، وعاد بعد عشرين عامًا يحمل الصورة ويبحث عنه، مؤكدًا أنه نشرها على صفحته في المكسيك. كما يذكر عبد الكريم زيارة سيدة فرنسية وضعت صورته كخلفية لهاتفها، بعد أن تأثرت بلقائه. لافتاً إلى أنه يحتفظ بألبوم صور يوثق هذه اللحظات، ويقول إن بعض الزوار يسألون عنه بالاسم، حتى في أيام غيابه، ما يعكس الأثر الطيب الذي يتركه في نفوسهم، ويؤكد أن العمل في المواقع الأثرية لا يقتصر على الحراسة فقط، بل هو رسالة إنسانية تتجاوز حدود الزمان والمكان.