في خضم التقييمات الدولية الأخيرة التي أظهرت تحسنًا في مؤشرات الاقتصاد المصري، يبرز عامل جوهري لا يمكن تجاهله كعنصر حاكم في هذه المعادلة: استقرار سعر الصرف. فرغم تنوع الأسباب التي استندت إليها هذه التقارير، إلا أن البيئة المستقرة لسوق الصرف تظل هي الأساس الذي ترتكز عليه كافة النجاحات الاقتصادية الأخرى، سواء في جذب الاستثمارات أو تحسين مؤشرات النمو والتضخم. لذلك فان استقرار سعر الصرف لا يمثل فقط نتيجة للإصلاحات، بل هو أيضًا شرط أساسي لاستدامة الأداء الاقتصادي وتحقيق انطلاقة حقيقية في السنوات القادمة. وكان قد شهد شهر أكتوبر صدور عدة تقارير دولية إيجابية بشأن الاقتصاد المصري لعام 2025 مع توقعات أكثر إيجابية لعام 2026 وكلها صادرة من مؤسسات دولية محترمة. حيث صدر تقرير البنك الدولي ليرفع توقعاته بنمو الإقتصاد المصري ليصل إلي 4.3% خلال العام المالي الحالي 2025/2026 مقارنة بتقديراته السابقة عند 4.2% والصادرة في يونيو الماضي كما توقع تسارع معدلات النمو في العام القادم ليصبح 4.8% مع توقعات بتراجع معدل التضخم إلي 14.6% مقابل 20.9% في العام الماضي. وفي خطوة تالية ومتوقعة رفعت مؤسسة ستاندرد آند بورز تصنيف مصر الائتماني الي B مع نظره مستقبلية مستقرة وهو نفس التصنيف الذي أكده بعدها مباشرة تقرير وكالة فيتش للتصنيف الائتماني والتي أشادت في تقريرها بنجاح مصر في الحفاظ على احتياطاتها الخارجية ومستوي التدفقات ورؤوس الأموال الأجنبية كما أشادت بارتفاع الاحتياطات الدولية بقيمة 12.4 مليار دولار منذ بداية 2024 لتصل إلي 45.5 مليار دولار في مارس 2025 وهذا بالإضافة إلي تحسُن معظم المؤشرات الاقتصادية العامة مثل إيرادات القطاع السياحي التي ارتفعت بنسبة تصل إلي 9% مع توقعات بزيادة متتالية. وبصفه عامة فقد استندت هذه التقارير على نجاحات عدة قطاعات في الإقتصاد المصري ويأتي على رأسها زيادة الصادرات وتحويلات المصريين بالخارج وزيادة الناتج الإجمالي الصناعي مع استمرار الإصلاحات الهيكلية المالية وقدرة مصر على الوفاء بإلتزاماتها الخارجية مع الحفاظ على سعر صرف مرن ومستقر. ومن وجهة نظري ورغم تعدد الأسباب والخلفيات التي قد تكون هذه التقارير قد استندت إليها الا أنني أعتقد أن العامل الأساسي في تحقيق هذه النجاحات يرجع إلي متغير رئيسي يعتبر هو العنصر الحاكم والرابط لكافة العناصر الآخري بل انه يعتبر بمثابة السبب والنتيجة في ذات الوقت وهذا العامل هو إستقرار سعر الصرف وأؤكد على كلمة استقرار فالأمر لا يتعلق بسعر الصرف لكن ببيئة عمل مستقرة لسعر الصرف. وايضا فاستقرار سوق الصرف سوف يضمن قدرة الاقتصاد المصري علي استثمار هذا النجاح الموثق دولياً لأنه سيخفض تكلفة اي تمويل مستقبلي وسيوفر للمستثمرين الاجانب القدرة علي وضع مخططات استثمارية دون مخاطر عالية سواء استثمارات مباشرة او غير مباشرة. فبحكم مشاركاتي السابقة في عدة صفقات استثمارية كان الشركاء الاجانب اثناء مفاوضات عقد الصفقات لا يهتمون كثيرا بسعر الصفقة الا بعد التأكد من قوة المؤشرات العامة وعلي رأسها استقرار سوق وسعر الصرف والتوقعات المستقبلية بشأنه بغض النظر عن قيمة هذا السعر لأنه من وجهه نظرهم يعتبر هو اساس احتساب مراكز التكاليف سواء الاستثمارية او التشغيلية وبالتالي اساس احتساب معدلات الربحية والعوائد علي الاستثمار في مراحل تالية. فهذا الاستقرار النقدي يوفر عنصر الثقة الذي هو احد مقومات اي عملية اقتصادية بل ان ما يبدو بحسابات ما اموراً صغيرة مثل قرار الوفود السياحية في اختيار المقاصد الخارجية يعتبر استقرار سعر الصرف عاملاً حاسماً في تحديده خاصة اذا ما ارتبط الامر بوضع خطط مستقبلية قصيرة او متوسطة المدي ونفس الحال في قرارات المنشئات التصديرية وخططها المستقبلية سواء للأسواق الخارجية العاملة فيها بالفعل او التي يجري التخطيط لدخولها مستقبلاً. كما ان لاستقرار سوق الصرف اثر حاسم في زيادة العائدات الدولارية من تحويلات العاملين المصريين بالخارج فهي تضمن القضاء علي السوق السوداء عبر الدول وتمنح المغترب الفرصة للعمل عبر القنوات الشرعية بوضوح وشفافية مع قدرته علي تخطيط الاستخدامات المعيشية والاستثمارية لمدخراته. لذلك فالاقتصاد المصري امامه فرصة لاستثمار هذا النجاح وادارته بكفاءة لضمان تحقيق معدلات غير مسبوقة علي كافة المستويات خلال الاعوام القليلة القادمة لتحقيق الانطلاقة المنشودة مستقبلا.