سواء كانت صدفة أو بفعل متعمد، لكن الأكيد أن الظهور المفاجىء للفنان محمد سلام من جديد على المسرح أثار حالة من الجدل والسعادة أثناء عرض احتفالية «مصر وطن السلام»، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، ووسط نجوم الغناء المصري والعربي، وبين فقرات فنية ووطنية. هذا الظهور جاء بالتزامن مع فيديو قدّمه سلام في نفس اليوم منذ عامين، يعتذر فيه عن المشاركة في مسرحية ضمن «موسم الرياض»، معلنا تضامنه مع أهلنا في فلسطين وهو ما دفع ثمنه على مدار هذه السنوات من حرمانه «الضمني» بالمشاركة في أي أعمال فنية أو حتى ظهور إعلامي. ظهور سلام في تلك الاحتفالية، في هذا الموعد، كان أكثر من عرض فني؛ لقد بدا وكأنه رسالة من داخل الرسالة، واحتفاءٌ غير معلن بموقف إنسانيٍ اختاره الفنان قبل أن يُختار ليقف على المسرح. أما كيف استقبل الجمهور والمشاهير هذا التزامن والتجسيد الفني، فتشكل مادة خصبة للتأويلات والآراء الجدلية على السوشيال ميديا. حين صعد محمد سلام فجأة إلى خشبة المسرح في فقرة درامية حول سيناء، وسط عدد من الأطفال، وألقى كلمات مؤثرة عن تاريخ الأرض الفيروز وعن التمسك بالمكان والهوية، استُقبل بالتصفيق الحار من الحضور فى استقبالًا رائعًا لسلام. وبعد دقائق من ظهوره، تصدّر اسم محمد سلام مؤشرات البحث على مواقع التواصل الإجتماعى، خصوصًا على موقع «أكس»، حيث تداول المغرّدون صورته وكلمات المشهد وكأنهم يفتّشون فيها عن التمييز بين الرسالة الفنية والموقف الشخصي. توقيت التكريم البعض علَّق بأن اختيار هذا التوقيت لم يكن صدفة، بل رسالة واضحة فقال:»إذا كنت فنانًا تعتذر تضامنًا مع قضية إنسانية تمس كل عربى، فلتكن في وطنك، ليشكرك الجمهور على موقفك». وفي المقابل، لاحظ آخرون أن التزامن بالمشهد الفني الرسمي في مثل هذه الفعالية يعطيه بعدًا آخر فحينما يُدعى الفنان إلى الوقوف أمام الرئيس، فهو يُكرَّم ليس فقط على موهبته، بل على مواقفه أيضًا. من هنا جاءت ردود الفعل الإيجابية بين من رأى أن ظهور سلام كان بمثابة تكريما له على المسرح، وبين من رأى أنه استحق هذا المكان، بعد سنوات من الصمت أو التردد، ليحجز لنفسه مقام الفنان المُواصل للفكر والمشاعر. وقد رأى بعضهم أن سلام وكأنه كان الشخص المعني أن يشارك هذا الحفل تحديدًا، ليغلق دائرة الرسالة والاعتذار، ويفتح نافذة حضور جديدة. واحدة من أبرز الجمل التي لفتت الانتباه في وسائل الإعلام كانت وصف هذا الظهور بأنه «تكريم له وتقدير لموقفه النبيل».. كثير من المعلّقين فسّروا أن المشهد يحمل رمزية قوية: عندما يؤتى بك إلى منصة وطنية كبرى أمام الرئيس، فهذا بمثابة شهادة تقدير لا بالورق، بل بالحضور. لكن غالبية التفاعل على السوشيال ميديا، يميل إلى استحسان الخطوة. فالأصداء في التعليقات، غالبًا ما جاءت ك «موقف يُحسب للفن» أو «رسالة جميلة لمحمد سلام»، أو «حينما يدلّ الفنان على موقفه بالفعل وليس بالقول.. فلذلك معنى أعمق». لا يمكن قراءة مشهد عودة سلام للأضواء بمعزل عن طابع الحفل العام. فقد نُظمت الاحتفالية تحت عنوان «مصر وطن السلام»، ضمن مبادرة فنية وطنية تتضمَّن فيلمًا وثائقيًا وأوبريتًا كبيرًا، لتسليط الضوء على جهود مصر في السلام وإلتزامها بالقضية الفلسطينية. تجربة متكاملة في سياق الحفل، شارك عدد من ألمع نجوم الغناء في المنطقة، مثل آمال ماهر وأحمد سعد ومحمد حماقي وحمزة نمرة، إضافة إلى نجوم التمثيل والإعلام، ما خلق تمازجًا بين الفقرات الغنائية والفكر الوطني. اختيار آمال ماهر وحمزة نمرة تحديدًا اعتُبر موفقًا من الناحية الفنية، لأن كل منهما يمتلك صوتًا محبوبًا وقاعدة جماهيرية واسعة، وأيضًا سجلًا من العمل على قضايا إنسانية أو وطنية. جاء ذلك تأكيدا على أن الفن يمكن أن يمزج الصلة بين الشخصية الفنية والموقِف الأخلاقي. وقد أشاد كثير من الجمهور والإعلام بهذا المزيج «كتجربة متكاملة» لا تقتصر على الأداء الصوتي، بل تحمل رسالة جماعية. اقرأ أيضا: تعرف علي موعد عرض كارثة طبيعية ل محمد سلام ظهور محمد سلام لم يكن مجرد مشهد منفصل من حفلة فنية، بل فصل يُضاف إلى سجل العلاقة بين الفن والقضية، بين الموقف والإبداع. عندما يتعانق الفن مع الموقف في توقيت رمزي، فإن التصفيق ليس مجرد إطراء على الأداء، بل اعتراف بإيمانٍ، أو على الأقل برغبة في اعتماد الفن ليكون جزءًا من الرواية الوطنية المشتركة. قد لا نعلم كل ما دار وراء الكواليس من اتصالات أو تنسيقات، لكن ما وصل إلى الجمهور كان رسالة واضحة: الفنان يستطيع أن يكون صاحب مبدأ وموقف إنسانى أو وطنى، ويستطيع أيضًا أن يتحمل تبعات قراره لأن فى النهاية الحكم للجمهور الذى يعى تماما المعدن الأصيل من المزيف..