على أرضٍ احتضنت حضارةً تمتد لأكثر من خمسة آلاف عام، تكتب مصر مساء اليوم فصلاً جديدًا من بهاء التاريخ والفنّ، فى احتفالية افتتاح المتحف المصرى الكبير، التى يُنتظر أن تكون حدثًا عالميًا استثنائيًا يُبهر العالم بجلال المكان وعظمة الحكاية وسط هذا المشهد المهيب، تتصدر السوبرانو المصرية أميرة سليم المنصة بصوتها الآسر. بعد أن خطفت قلوب الجمهور بصوتها الساحر فى حفل موكب المومياوات حين قدمت «أنشودة إيزيس» باللغة المصرية القديمة، وقع الجميع أسرى لصوتها وإن لم يفهموا شيئًا من الكلمات، وأصبحت حديث الناس فجأة ليتعرفوا على صاحبة الصوت، إنها السوبرانو العالمية أميرة سليم التى ولدت فى القاهرة عام 1976 فى عائلة فنية، والدتها مارسيل ماتّا عازفة بيانو محترفة، ووالدها أحمد فؤاد سليم فنان تشكيلي. منذ نعومة اظافرها، مارست البيانو، الباليه، والرسم، قبل أن تتوجّه إلى الغناء، وتبدأ تدريباتها الصوتية فى إيطاليا مع السوبرانو جابرييلا رافاتسى عام 1993. اقرأ أيضًا | مصر تستعد لاستقبال العالم في «ليلة من نور».. استعدادات شاملة لافتتاح المتحف المصري الكبير تخرجت فى معهد الكونسرفتوار فى القاهرة عام 1999، ثم حصلت على منحة للدراسة فى فرنسا لدى كارولين دومّاس ونالت دبلوم «دبلوم سوبرير دو كونشيرتست» فى باريس. انطلقت أميرة سليم من دار أوبرا القاهرة منذ 1997، وكان أول أدوارها القيادية فى أوبرا Il Barbiere di Siviglia لروسّينى عام 1998. وقدمت أدوارا عديدة مثل نورينا فى Don Pasquale، وجيلدا فى Rigoletto، وانتقلت إلى المسرح الأوروبى لتأدية أدوار رئيسة فى فرنسا وألمانيا. من بين ما يميّزها: القدرة على الجمع بين الأصالة المصرية وصوت الأوبرا العالمي، مما جعلها محطّ أنظار المشهد الفني. فى 3 أبريل 2021، أثناء حفل موكب المومياوات الملكية، قدّمت أنشودة "A Reverence for Isis" باللغة المصرية القديمة، رغم أن الجمهور لم يفهم الكلمات، إلا أن التأثير كان فورياً، من هنا أصبح اسمها يتردد على ألسن الجميع، ليس فقط كمطربة أوبرا، بل كرمزٍ ثقافي. وقالت أميرة سليم فى لقاءات إعلامية بعد حفل المومياوات: «الهوية المصرية جزء لا يتجزأ من رسالتى الفنية، ومشروعى الفنى هو جزء منى كإنسانة وكفنانة، لذا حين يكون هناك فرصة أمامى لإبراز الهوية المصرية لا أتردد أبدا سواء عن طريق الأعمال الموسيقية والفنية، أو فى حفلاتى بمقطوعة أو أنشودة أو أزيائي، بالهوية المصرية دائما حاضرة ولها مكانتها فى حياتي. وأضافت: «أعتقد أن الموكب أحيا أميرة سليم فنيًا، فكنت أبحث منذ فترة على شيء مختلف، وعندما جاء الموكب كأنه أحيا شيئا إنسانيا وفنيا داخليا، التجربة كانت مختلفة جدًا وفرصة رائعة كى يتم تقديم كل هؤلاء المواهب من الموسيقيين أمام الجمهور المصرى الذى لا يعرفنا وأمام العالم، لذلك بالطبع كانت لحظات هامة للغاية، طوال عمرى أؤمن أن الجمهور المصرى يستطيع تذوق شتى أنواع الفنون وهذا ما ظهر خلال الموكب، حتى لو لم يفهموا اللغة المصرية القديمة، ولكنهم استمتعوا بها». وأضافت: «بالمناسبة لدى علاقة مع اللغة المصرية القديمة من قبل موكب المومياوات، وكان لدى حلم أن أغنى بها وقد تواصلت مع باحث، ولكنه أبرز لى مدى الصعوبات فى اللغة وكيف تُنطق، وهذه الأغنية التى غنيتها فى الموكب كانت موجودة لدى فى الدرج منذ 2016.» وعن أثر وصدى الحفل عليها كفنانة قال: «شعرت به بشدة فالناس فى الخارج فى أوروبا وأمريكا اللاتينية يعشقون علم المصريات ويتابعون كل مستجداته وتجدهم يعرفون تاريخنا أكثر منا لأنهم يدرسونه بشغف وحب شديد ويحاولون معرفة كل الاكتشافات الحديثة، وقد تواصل معى الكثيرون بعد نجاح موكب المومياوات وردود أفعالهم كانت إيجابية وقوية. أعتقد من بعد موكب المومياوات حصلت صحوة لدى المصريين تجاه التاريخ المصرى القديم لأننا كنا منفصلين عنه، وأظن أنه يجب تعليم الكتابة الهيروغليفية بالمدارس لمعرفة تاريخنا وثقافتها. الليلة ليست مجرد حفل افتتاح، بل احتفاءٌ بالهوية وبالزمن. فى المتحف المصرى الكبير، ستُسجّل أميرة سليم بصوتها فصلًا جديدًا من علاقة مصر بتاريخها، إذ تمتزج أصوات الماضى بصدى الحاضر فى عرضٍ يحمل توقيع الحضارة المصرية. تواجدها على المسرح هو تجسيد لمعنى الفخر الوطنى والإبداع الإنساني؛ فصوتها لا يُمثلها وحدها، بل يُمثل مصر التى تكتب تاريخها من جديد بأصوات أبنائها.